أعجوبة: من لأطفال المتلازمات!

من المسؤول عن وعينا تجاه المختلفين عنا؟ من المسؤول عن تثقيفنا في مجتمع حامل الدراسات العليا يتخطفه الجهل هنا وهناك؟ نحن لا نحتاج إلى أدوية وأموال للعلاج، نحن نحتاج إلى الوعي الذي يجعلنا نربي أولادنا على أن المختلف عنا ليس أقل منا

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/26 الساعة 03:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/26 الساعة 03:05 بتوقيت غرينتش

"* لِمَ عليّ أن أكون بهذا القبح؟
– أوجي، أنت لست قبيحاً.
* إنك مضطرة إلى قول هذا لأنك أمي.
– إنك لست قبيحاً، وأي شخص يرغب في معرفتك سيدرك هذا
* لا يودون التحدث إليّ أساسا، شكلي المختلف يهم فعلاً، أحاول التظاهر بأن المظهر لا يهم، ولكنه كل ما يهم، هل سيهم المظهر دوما؟
– لا أعرف!".

**********

هذا الحوار الذي دار ما بين الأم "إيزابيلا" التي أدت دورها ببراعة "جوليا روبرتس" وابنها "أوجي" المصاب بمتلازمة "تريتشر كولينز" في الفيلم المذهل "Wonder".

ولمن لا يعرف متلازمة "تريتشر كولينز" فهي اضطراب وراثي يؤدي إلى اضطراب في نمو وتطور العظام والعضلات، تظهر علامات متعددة على المصاب مثل شكل غير طبيعي للأذن، عظام وجه غير نامية، فقدان لحاسة السمع، توجه العينين إلى الأسفل.. وغيرها من العلامات.

تُعرّف المتلازمة بشكل عام بأنها مجموعة من العلامات المرضية التي تظهر على الشخص فيتم تشخيصه بالإصابة بنوع معين من المتلازمات، أنواع المتلازمات عديدة جداً ومتباينة، ما بين ما هو عضوي وما هو نفسي وما هو شكلي فقط، وليس جميعها يصنف على أنه تأخّر في القدرات والمهارات العقلية.

"أوجي" طفل ذكي جداً، متفوق في جميع المواد، وخاصة العلوم، ولكنه مرفوض بسبب شكله المختلف الذي وُلد به، "جاك" و"سمر" طفلان يقرران أن يعاملا "أوجي" بشكل طبيعي ويصادقانه، ولكن يظل التنمّر أبرز المشكلات التي يعاني منها الأطفال المختلفون، فتظهر أم الطفل "جوليان" التي يستدعيها مدير المدرسة بسبب تصرفات ابنها المتنمرة، تدافع الأم باستماتة عنه وتبرر كل أفعاله فهو تراوده الكوابيس باستمرار بسبب شكل "أوجي" المخيف!

ونحن نملك العديد من "أم جوليان" في مجتمعاتنا العربية العريقة ذات التدين الفطري!

من أشهر المتلازمات وأكثرها انتشاراً وربما هي النوع الوحيد الذي نعرفه في ثقافتنا العربية متلازمة "داون".

يوجد أكثر من 4 ملايين شخص مصابين بمتلازمة "داون" حول العالم؛ حيث يولد كل يوم 549 طفلاً لديه "داون" من أصل 700 ولادة، يعانون من الكثير من الأمراض كتشوهات القلب، ومشاكل الرضاعة والتغذية، مشاكل في السمع والبصر، وربما أقسى ما يمكن أن يواجهه آباء أطفال "داون" هي التكلفة المادية العالية التي تتطلبها الرعاية الصحية وجلسات تنمية المهارات والمدارك التي ربما لا تستطيع العديد من الأسر تحمّل تكلفتها.

صادفني مرة منشور في إحدى المجموعات النسائية على الفيس بوك لأم، ابنتها مولودة بمتلازمة "داون"، تخبر فيه عن المرأة التي جلست بجانبها في إحدى وسائل المواصلات وقد قتلها الفضول لتسأل أسئلة من نوعية: "انتي وجوزك قرايب، طب أخدتي علاج غلط وانتي حامل"، وبالرغم من محاولات الأم إفهامها أن ابنتها نعمة من الله عليهم وأنها ليست حزينة على حالها، وهي التي تنير حياتهم، ولكن المرأة لم تكفّ عن جملها المثيرة للغثيان وختمت فضولها المقزز بـ"ما تقلقيش اللي زيّها ما بيعيشوش كتير"!

العلم يتقدم، وكل عرض من أعراض المتلازمات المعروفة والمستكشفة يتم علاجه بوسائل علمية متعددة، ولم تعد المتلازمة عائقاً أمام الإنسان على التعلم والتقدم والتطور وامتلاك مشاريعه الخاصة وبناء مستقبل مبهر، وبإمكانك البحث على جوجل عن كمّ المشاهير المصابين بمتلازمات مختلفة، ولكن مَن المسؤول عن الإعاقات الفكرية التي نقابلها كل يوم؟! سواء أكانوا غرباء نصادفهم في طريقنا إلى الحياة أو أقرباء يدلون بدولهم في كل لقاء!

كيف نجعل هؤلاء يكفّون عن نفاياتهم اللفظية والفكرية، وكأنهم وُجدوا لمحاكمة أم وأب لم يكونا المسؤولَين عن قدر كُتب عليهما، يجلدونهما بسياط لا تدري من أعطاهم الحق لحمله، يقررون أنهم ناقصون ومقصرون وغريبون، وعليهم إما شنق أنفسهم أو شنق أنفسهم، لماذا تظل "أم جوليان" حيّة بيننا، تتصل بمديرة المدرسة لتبعد فلانة عن ابنتها؛ لأن فلانة التي تعاني مرضاً ما تخيف ابنتها به أو تشعرها بالقرف، لماذا تظل "أم جوليان" تحتضن أولادها حتى لا يقترب منهم الطفل "المسخ" الحامل للمتلازمة ولا يؤذي ابنها الرقيق المثالي الذي خُلق كاملاً دون عيب؟ لماذا تظل "أم جوليان" تُذكر "أم أوجي" أن ابنها ينقصه شيء ما؟ لماذا لا تتوقف عن سؤالها "الدكاترة قالوا إيه؟"؟ لماذا لا تؤمن أنها ليست بعالمة ولا طبيبة ولا باحثة حتى تدلي بكلام أخرق وتستعرض فلسفتها العميقة في موضع لا تتحمل فيه الأم الأخيرة أن يقول لها أحد "صباح الخير"؟ لماذا لا تكفّ عن نظراتها المقيتة، وافتخارها أن أطفالها لا يعانون شيئاً مع أن الأمر لم يكن بيدها في الأساس ولم تكن هي المسؤولة؟!

يقول الممثل الأميركي وكاتب السير الذاتية "كريس بورك" والمصاب بمتلازمة داون: "أن يكون لديك داون كأن تكون مولوداً طبيعياً، أنا مثلك تماماً وأنت مثلي تماماً، وجميعنا وُلد بطرق مختلفة، هذه هي الطريقة التي يمكن أن أصف بها الأمر، أنا أعيش حياة طبيعية".

لم يكن فيلم "أعجوبة" يتحدث عن كيف نعالج المرض -مع الأخذ بالاعتبار أن العديد يرفض وصف المتلازمات بأنها مرض، فهي عدد من الصفات مجتمعة معاً في شخص ما- ولكنه تحدّث عن نضال الأسرة في مساعدة ابنهم على مواجهة المجتمع، ونضال الابن نفسه في إثبات أنه طبيعي وذكي وليس "طاعوناً"، نظرات أصدقائه دون أن يتحدثوا كانت كفيلة بقتل الطفل ذي العشر سنوات كل يوم، وعليك أن تأخذ في الحسبان أننا نتحدث عن مجتمع أميركي مستنير متحضر مثقف واعٍ، وليس مجتمعاً شرقياً غبياً جاهلاً يصف أي متلازمة بأنها "تخلّف عقلي".

من المسؤول عن وعينا تجاه المختلفين عنا؟ من المسؤول عن تثقيفنا في مجتمع حامل الدراسات العليا يتخطفه الجهل هنا وهناك؟ نحن لا نحتاج إلى أدوية وأموال للعلاج، نحن نحتاج إلى الوعي الذي يجعلنا نربي أولادنا على أن المختلف عنا ليس أقل منا، وأنه لا يجوز لك أن تحتقر من زميلك الغريب في الشكل، على أحدهم أن يخبر النساء أن أم الطفل المصاب بالمتلازمة تحتاج إلى الدعم طوال الوقت، وأنكِ أيضاً قد تُرزقين بطفل لديه ما لدى طفلها والأمر ليس بعيداً، نحتاج إلى معلمين يؤمنون أن هذا الطفل "أعجوبة" فعلاً وأنه قادر على فعل ما لا يقدر غيره على فعله، نريد المزيد من الأمهات كأم "جاك" في الفيلم ونريد أن نقتل كل أم كـ "أم جوليان".

نريد لمن يصلح جينات الفكر المعطوب قبل أن يصلح جينات الأعضاء!

نريد "أعجوبة" تغير هذا المجتمع الأخرق.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد