بعد أن أصبحت فتاةً جامعيةً

حينما أتلفت من حولي أسأل نفسي: متى كبرت؟! ومن صرت؟! لا أجد إجابة لهذه الأسئلة، فأنا ما زلت أتذكر الفتاة الصغيرة التي كانت تلعب مع صديقاتها، فتحب واحدة وتغضب من الأخرى، وتسامح مرة وتبكي مرة، وتعاتب صديقتها على لعبة اتفقتا على أن تلعباها معاً، أو تعاتبها على أسورة جديدة أهدتها لها من قبل فأخرجتها من يدها، فكيف لها أن تتخلى عن ميثاق صداقتهما بهذه السهولة!

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/13 الساعة 01:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/13 الساعة 01:53 بتوقيت غرينتش

حينما أتلفت من حولي أسأل نفسي: متى كبرت؟! ومن صرت؟! لا أجد إجابة لهذه الأسئلة، فأنا ما زلت أتذكر الفتاة الصغيرة التي كانت تلعب مع صديقاتها، فتحب واحدة وتغضب من الأخرى، وتسامح مرة وتبكي مرة، وتعاتب صديقتها على لعبة اتفقتا على أن تلعباها معاً، أو تعاتبها على أسورة جديدة أهدتها لها من قبل فأخرجتها من يدها، فكيف لها أن تتخلى عن ميثاق صداقتهما بهذه السهولة!

تراودني الأسئلة من جديد: أين ذهبت تلك الفتاة البريئة؟ وأين ذهبت تلك الهموم والمشاغل اللطيفة التي كانت تشغل بالها؟ مضت سن الصبا ومضت فترة المراهقة وأصبحت أنا تلك الفتاة الجامعية ذات الـ18 عاماً أو أكثر بقليل، فدخولي الجامعة لم يكن فقط تغيراً في نوع التعليم الذي أتلقاه، بل كان مجتمعاً جديداً وبيئةً مختلفة عما عرفته من قبل، حياة أخرى غير التي اعتدت عليها.

ففي أيامي الأولى في الجامعة كنت أرى الناس من حولي كثيرين لدرجة الذهول، فأتأمل الوجوه في صمت وبداخلي تدور نقاشات وتصدر أحكام وتتوارد الأفكار، فكلما مررت بجانب فتاة أتخيل كيف ستكون علاقتي معها وكيف ستجري الأمور بيننا، فمنهن التي أنظر في وجهها فأقول هذه ستكون من أعز صديقاتي، وهذه ستكون مجرد زميلة، أما هذه فلا أتوقع أن نتصادف مرة أخرى، فهذه مريحة، وهذه ضحوكة، وهذه غامضة، وهذه حزينة.. وجوه كثيرة تختبئ من ورائها شخصيات مختلفة لست أعرفها بعد، فكم من أحكام أصدرتها على أشخاص وثبت أنها خاطئة مع الوقت، ولكن هناك من نرتاح له من أول مرة، وهناك وجوه مألوفة نصادفها وكأننا نعرفها من قبل، فمجرد وجودهم يطمئننا وسط هذا العالم الغريب الذي ما زلنا نستكشفه.

ومع انخراطي في الحياة الجامعية واحتكاكي بهذا المجتمع الذي كان يمثل لي مصدر رعب وقلق، الآن أصبحت جزءاً منه وذاب الخوف والقلق واتضحت الأمور.

فكل يوم يمر عليَّ في الحياة الجامعية يكسبني خبرات اجتماعية تكاد تكون بنفس الأهمية التي اكتسبها من الخبرات المعرفية والعلمية، تعلمت معنى المسؤولية، فأنت داخل الجامعة مسؤول عن كل فعل تصدره أو كل تصرف تقوم به، تعلمت كيف أتعامل مع من هم مختلفون عني، مع من كنت من قبل إذا صادفتهم أنصرف عنهم وأكمل طريقي، الآن أنا مضطرة إلى التعامل مع كل الشخصيات وكل أصناف البشر، وهذه من أهم المهارات التي اكتسبتها في الجامعة.

وتعلمت كيف يجب أن يحترم كل منا المساحة الشخصية للآخر، فكل منا له حيز وإطار شخصي لا يصح لأحد أن يتجاوزه إلا بإذنه أو رغبته.

تعلمت كيف أحترم الرأي الآخر ووجهة النظر المختلفة، فنحن جئنا من مناطق وبيئات اجتماعية مختلفة.

تعلمت كيف أدير وقتي، كيف أرتب أفكاري، كيف أحل مشاكلي بنفسي، وكيف أخطط لمستقبلي، بالطبع سيظل كل منا بحاجة إلى النصيحة والخبرات السابقة ممن هم أكبر منا، ولكن الآن لي رؤية ووجهة نظر، وأصبحت قادرة على فهم الأمور ودراستها بما يناسب رغباتي وأفكاري والحكم على الأشياء بتأنٍّ حتى آخذ الخيار الأنسب لي.

تغيرت شخصيتي كثيراً عما كانت عليه قبل الجامعة، وتغيرت اهتماماتي وأفكاري، وما زالت تتغير يوماً بعد يوم، فكلما أقرأ كتاباً جديداً أو مقالةً في صحيفة ما تضيء الأفكار في ذهني ويزداد فضولي وشغفي في أن أسعى وراء معرفة المزيد والمزيد، ومعرفتي بأصدقاء جدد ذوي أفكار مختلفة عني أفادني كثيراً وزاد من خبراتي واكتسبت منهم الكثير وما زلت أتعلم وأتأثر وأؤثر فيمن حولي، فكما قال د. إبراهيم الفقي، رحمه الله: "الاتصال كالوميض، مهما كان الليل مظلماً فهو يضيء أمامك الطريق دائماً".

أحب أن أشارككم ببعض النصائح التي ستساعدكن على أن تعشن حياة جامعية ناجحة وأن تستمتعن بكل لحظة فيها:
– كوني عاقلة حكيمة في تصرفاتك، وتعلمي كيف تسيطرين على مشاعرك، حكّمي عقلك قبل قلبك إذا لزم الأمر.
– اسمعي أكثر مما تتحدثين، فكلما تستمعين تزداد الأمور وضوحاً في ذهنك، فكوني أكثر هدوءاً، وعليك بالتأنّي في كلامك.
– اهتمي بمظهرك وحاولي أن تكوني دائماً مرتبة وذات مظهر مرتب وجميل، فذلك سيزيد ثقتك بنفسك.
– اهتمي بمعرفة نفسك وذاتك، وركزي على نقاط قوتك، وتعلمي كيف تتحكمين في نقاط ضعفك.
– اهتمي بالرياضة، وحافظي دوماً على صحتك وجسدك، فسوف ينعكس ذلك على ثقتك بنفسك ويحسن من نفسيتك.
– اعلمي أن مستقبلك هو أفضل استثمار تستثمرينه لنفسك، فخططي له جيداً، واجتهدي في دراستك وعملك، واحرصي دائماً على تطوير مهاراتك وقدراتك.

وأخيراً الحياة الجامعية هي نقطة فاصلة في حياة كل منا، ففيها تتشكل الأذهان، فاهتمي بنفسك، واستمتعي بكل لحظة مع صديقاتك ومن حولك، وكوني أنت كما أنت لا كما يريد الآخرون، لا تتصنعي ولا تضعي أقنعة زائفة لا حاجة لك بها، أطلقي العنان لأفكارك، واسعي وراء أحلامك، واحتفظي بتلك الطفلة البريئة التي بداخلك.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد