صوت صراخ من الدور الأرضي المجاور:
– حسبنا الله ونعم الوكيل فيك يا ظالم يا مفتري.. ربنا ينتقم منك يا بعيد.
– جتك مصيبة يا أهبل، ده العيب منك.. ابقى وريني السنيورة هتجيب لك الواد إزااااي يا معيووب؟!
كالعادة زوجتي العزيزة تنزعج وتزعجني معها:
– اصحى بسرعة يا محمد شوف الصراخ ده منين؟
أجيبها وقد تعجبت من سؤالها المتكرر، وإجابتي التي لا تتغير في كل مرة:
* هيكون منين يعني؟! زي كل مرة.. حالة طلاق جديدة عند جارنا العزيز، مأذون البلد.
أنظر من نافذة الغرفة لأطل على التكاتك التي تقل المتعاركين، إثر طلاق أحدهم لزوجته، واضح من السباب أن سبب الطلاق هي خِلفة البنات في مجتمع ساقط دين وأخلاق، وكمان علم.
كان السباب من أخوات المطلقة وأقاربها الذين صبوا جام غضبهم على ذلك الزوج المتغطرس الجاهل.
بينما جلست هنالك على الرصيف المقابل لبيت مولانا المأذون، خائرة القوى مستسلمة بلا حيلة، الزوجة المكلومة، تشكو حالها لرب العباد ولا تدري كيف يكون مستقبلها وفي رقبتها أربع بنات بعد أن طلقها أبوهم إرضاء لزوجته الجديدة التي تقول إنها "زى الفريك ما تحبش شريك".
نزلت إلى الشارع لاستشراف الأمر، ووجدت ضالتي حين رأيت أحد أصدقاء الطفولة، عرفت الكثير من سعد، ذلك الصديق القديم الذي حضر باعتباره قريباً للزوج، لم يكن سعد راضياً عن فعل قريبه، ولكن ما باليد حيلة، ذهب مع جمع أقاربه حماية لذلك التعس من أن تناله يد البطش -التي يستحقها بالطبع- من أقارب زوجته، ولم يكن أتعس من الزوج إلا سعد، الذي يذهب مدافعاً عن جاهل أحمق، لا لشيء إلا أن تعير عائلته بأن أحدهم ضُرب وأهين وإن كان مذنباً ومداناً!
وهناك إلى جانب بوابة بيت مولانا، رأيت الزوج ينظر من بعيد، نافثاً دخان سيجارته إلى أعلى ثم خافضاً هامته بلا اكتراث للصراخ، ولا لأم بناته، التي خارت قواها بعد أن نعت حظها كالنائحة الثكلى!
أطل مولانا من نافذة مكتبه الذي يحتل الدور الأرضي من بيته الكائن على ناصية الشارع ونادى على الزوج، ويبدو أنه أتم كل الإجراءات وينتظر توقيع الزوج الذي دخل في حراسة أهله ليوقع على قسيمة الطلاق.
مولانا لا يحب الطلاق ولا يستبشر باليوم الذي يقع فيه حالة طلاق واحدة، هكذا أسر لي ونحن عائدون من صلاة الظهر يوماً مشيحاً بيده للخلف دليلاً على التأفف من الطلاق الذي صار ظاهرة لا تحتمل، وخراب البيوت الذي أضحى بسبب وبدون سبب، ومزدرياً الأهل الذين صارو كالدمى في يدي أبنائهم، فلا كرامة لرأي الأب ولا اعتبار لنصيحة الأم، كل ما يريده أي أحمق سيفعله، مرة بداعي الحرية، ومرة بداعي القسمة والنصيب.
كانت تلك الأمور تحل بسهولة حينما كان الكبير منصفاً، يسمع له الكل ويطيع، ولكن ضاعت هيبة الكبير، وأضحت مصائر البيوت في مهب الريح.. ريح الطيش واللامسؤولية، حين اقتصر الجيران والأهل، ولم يعد مَن يتطوع للصلح ووأد المشكلات في مهدها.
لم يمضِ كثير وقت حتى خرج الزوج من بيت مولانا مصحوباً بلعنات أهل زوجته وسكان الشارع ومن عقلاء أهله أيضاً، الذين أضناهم الجهد في إقناعه بالزواج من الثانية من دون الإضرار بأم البنات المسكينة، ولكن لا حيلة لهم بعد أن ركب دماغه وقد خطط ليدخل دنيا جديدة موارياً خلفه تحت تراب الفقر والعوز دنياه القديمة ببناتها الأربع.
"يتبع".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.