الموصل… إبادة البشر والحجر

لا مبرر ولا عذر لكل مَن يدافع عن آلة القتل، سواء تلك الداعشية منها أو الحكومية والدولية، لا مبرر لكل من يرى أن هناك قتلاً مبرراً لأي مدني أو إنسان بلا أي ذنب أو جريمة، فما بالك وأن من يمارس القتل "الجماعي" دولة وحكومة مدعومة من قِبل رعاة الديمقراطية في العالم؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/22 الساعة 04:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/22 الساعة 04:20 بتوقيت غرينتش

قلنا منذ البداية إن من ذهبوا إلى الموصل "لتحريرها" من قبضة داعش سينكلون بأهلها، يقتلونهم ويجوعونهم، يقصفونهم حتى بالسلاح المحرم إن استدعى الأمر ذلك، ولكن كان هناك مَن يصر على أن الأمر هذه المرة مختلف، وأن فرسان التحرير الجدد يختلفون عن غيرهم، ولكن ما يجري في الموصل منذ انطلاق عملية الساحل الأيمن، أو ما يعرف بغرب الموصل، عملية تدمير ممنهج،

فلقد ارتكبت حتى الآن مجازر يندى لها جبين الإنسانية، إن كان ما زال هناك إنسانية، فلقد أشارت آخر إحصائية غير رسمية إلى أن أكثر من 700 مدني قتلوا منذ انطلاق عمليات غرب الموصل، علماً أن هذه الإحصائيات تبقى ناقصة؛ لأنها لا تعتمد على إحصاء ميداني بقدر ما هي تعتمد على ما ينقله الأهالي، في حين ما زالت العشرات من المنازل التي تهدمت فوق رؤوس ساكنيها، لا أحد يعرف كم أخذت معها ودفنت تحت ركامها.

لا مبرر ولا عذر لكل مَن يدافع عن آلة القتل، سواء تلك الداعشية منها أو الحكومية والدولية، لا مبرر لكل من يرى أن هناك قتلاً مبرراً لأي مدني أو إنسان بلا أي ذنب أو جريمة، فما بالك وأن من يمارس القتل "الجماعي" دولة وحكومة مدعومة من قِبل رعاة الديمقراطية في العالم؟

كان بإمكان الحكومة العراقية وقواتها ومعها التحالف الدولي بقيادة أميركا أن تفتح ممرات آمنة للمدنيين في غرب الموصل، والكل يعلم أن هناك أكثر من 750 ألف مدني داخل الساحل الأيمن من الموصل، والكل يعرف ظروف هذه الآلاف من المدنيين الذين يعانون من الجوع والحصار وغياب أدنى مستلزمات الحياة.

ولكن لم يشأ أو يرغب قادة التحرير ذلك، فداسوا بخيلائهم على المدنيين، حتى إن أحد ضباط قوات التدخل السريع العراقي قال لـ"واشنطن بوست" الأميركية: إن القوات تتقدم بتهور ولا أدنى حساب للمدنيين، طبعاً دون أن يشير إلى اسمه؛ لأن تصريحاً كهذا يمكن أن ينقله إلى خانة داعش.

الصور القادمة من الموصل تبقى ناقصة، هي الأخرى، لا تعبر عما يعانيه أهل المدينة، فمأساة الأهالي هناك فاقت كل وصف وعبارة، بل إن الكثير من الخارجين من الساحل الأيمن، يتحدثون عن فظائع ارتكبتها القوات المهاجمة، بلا أدنى رحمة.

نعم هناك مَن يصور تلك القوات على أنها قوات تحرير وتحمل من الإنسانية الشيء الكثير، ولكن هذا ليس فضلاً ولا منَّة، بل هو بالأساس واجبها، ولا حمداً ولا شكوراً عليه، وإنما السؤال: ماذا عن الجانب الآخر من الصورة؟ ماذا عن هذا القصف الأعمى الذي أحال العشرات من المنازل إلى ركام؟

لقد دمرت 80% من مدينة الرمادي تحت شعار التحرير، ومثلها الفلوجة وصلاح الدين، والآن الدور على الموصل، ولا أحد يرفع صوته مطالباً تلك القوات بالتعقل، بالعمل ضمن الأطر العسكرية التي يفترض أنها تدربت عليها، ببساطة لأن الجميع يخاف أن يرفع صوته، فتهمة الدعشنة جاهزة، ويمكن أن يرمى بها كل صاحب رأي أو فكر مخالف لطبيعة مسار هذا القتل الممنهج الذي تمارسه قوات الحكومة ومليشياتها.

وإذا كنا اليوم نرفع صوتنا عالياً ضد هذه الممارسات اللاإنسانية فإننا نعود ونحذر بأن هذه الممارسات لن تخلصنا من داعش، بل إنها ستولد داعش أخرى وأخرى، ستكون وقوداً جديداً لتمرد آخر، تماماً كما فعلتم يوم أن تنكرت للصحوات واعتقلتم وقتلتم قادتها وعناصرها، وقتها قلنا حذارِ من القادم، وفعلاً ظهرت لنا داعش، فهل أنتم مستعدون لتمرد آخر أكثر وحشية وتطرفاً؟
الموصل اليوم تعاني أزمة كبرى تفوق في هولها ما مر بمدن عراقية أخرى، فالمدينة تضم مئات الآلاف من المدنيين، والمخيمات التي يفترض أن الحكومة وفَّرتها، وصلت طاقتها إلى القصوى، والقصف يتواصل بشتى أنواع الأسلحة دون أدنى رحمة، والأدهى والأمر حتى دون أن نسمع صوتاً مستنكراً لما يجري في هذه المدينة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد