النجاة من المرض.. ولادة

زينت الدنيا بالمباهج، لكنها هذبت بالابتلاءات، ومن البلاء المرض، وهو اعتلال الصحة ونقص العافية، يقض المضجع ويعبث بالراحة، ويعيق المرء عن أداء مهامه اليومية، وقد يدفعه إلى احتياج غيره، ويتكلف بعض ماله وجهده في العلاج، علَّه يشفى ويعاود حياته الطبيعية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/01 الساعة 03:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/01 الساعة 03:39 بتوقيت غرينتش

زينت الدنيا بالمباهج، لكنها هذبت بالابتلاءات، ومن البلاء المرض، وهو اعتلال الصحة ونقص العافية، يقض المضجع ويعبث بالراحة، ويعيق المرء عن أداء مهامه اليومية، وقد يدفعه إلى احتياج غيره، ويتكلف بعض ماله وجهده في العلاج، علَّه يشفى ويعاود حياته الطبيعية.

منذ شهرين، كنتُ غارقة في مجموعة من الخطط والأمور التي عليّ إنجازها في وقت محدد، وما إن هممت بتنفيذ بعضها إذ داهمتني حُمى، بدأت بسيطة، ثم صارت أشدّ وأعتى، وطرحتني في فراشي، فلا ليلي ليل، ولا نهاري نهار، كما أنّ الأمر استلزم عدّة أيام والكثير من الفحوص الطبية حتى يشخص المرض، توقفت عن العمل، وعن رعاية بيتي وأولادي، وجلست عند أمي تمرضني وتهتم بشؤوني، وكنت لا أعي ما حولي، ولا همّ لي سوى مرضي حتى منّ الله عليّ بالعافية بعد عدة أسابيع.

لقد جعلني المرض أعلم كم أنّ العافية لا تقدّر بثمن، وأنّ المريض يتألم ويعاني ولا أحد ممن حوله يشعر بألمه مهما تعاطف معه، وأنه يجب عليَّ أن أعذر تصرفات المريض عندما يتألم؛ لأنه قد لا يفكر في شيء سوى ألمه، كما جعلني المرض أعرف مكاني في قلوب مَن حولي، فتوثقت صلتي بهم وزادت ثقتي بحرصهم وحبهم؛ لأنه برغم الجفاء والبعد أحياناً، أو الخلافات أحياناً أخرى، رأيت في عيونهم خوفهم عليَّ، ولمست منهم مساندتي ودعمي والسؤال عني، هذا الأمر جعلني أكثر تصالحاً مع نفسي وأكثر تسامحاً مع الأحبة حولي، وتعلمت أن الحياة لا تساوي شيئاً لنحمل في قلوبنا على الآخرين أو نضخم الخلافات فيما بيننا، أو نسيء الظن حول بعضنا البعض، تعلمت أن الموت قريب منا، وأننا لا عذر لنا في التأجيل وتضييع الأوقات، وأن علينا أن نصلح أخطاءنا أولاً بأول، فنعتذر ونصفح ونتوب، ونتجاوز الفشل، ونحاول، تعلمت أنّ العافية نعمة عظيمة يجب حمد الله عليها دائماً، ويجب حفظها وتجنب أذيتها عمداً وإلقائها في الهلاك، وتعلمت أنّ عليّ استغلال العافية في العمل والإنجاز والعطاء؛ لأنني لا أعلم إلى متى تدوم.

ربما فقدت الكثير من الوقت، فقمت بتأجيل بعض خططي وإلغاء بعضها الآخر، وربما أزعجني ذلك، لكنني الآن أعلم أنّ وراء كل محنة منحة، ووراء كل عسر يسراً، وأنّ الشفاء من المرض ولادة جديدة، تغير النظرة للحياة، وتجعلها أكثر بساطة وعمقاً، وتزرع في القلب الرضا والسكينة، وحباً للأحبّة أكثر، بشروط أقلّ.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد