أشتمُّ رائحة القميص

فلا بأس إذن، من مُخالفة بعض المألوفات والأعراف المجتمعية الرتيبة، كخطوةٍ أولى ضد مصادرة الشخصية والكيان الطفولي التي نمارسها حتى بدون وعي منا، وحتى وإن طغى صوت ذلك الموروث الكاتم "المرَة لو راحت عالمرّيخ آخرتها للطبيخ".

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/01 الساعة 04:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/01 الساعة 04:23 بتوقيت غرينتش

أربعة عشر عاماً مرّت وما زِلتُ أنتظرُ أن تطرُق باب البستان تلك الطفلة التي تحتفل بعيد ميلادها، وتدخل عليَّ بلباسٍ احتفاليٍّ غير فستان العروس، الفستان الأبيض!

وما زِلتُ أتخيلها في عيدها تدخل بزِيِّ رائدة فضاء أو مُنقِّبة آثار أو باحثة مُستكشِفة أو شاعرةٍ صاحبة فِكرٍ وقلم.

لستُ أكتبُ بنيّة استنكار الصواب في اختيارات أية طفلةٍ في يومها المُميّز هذا، فهو يومها ولها الحق المُطلق في التعبير عن المظاهر الاحتفالية على أيِّ شاكِلةٍ وهيئةٍ ترتئيها. إنّما ما أبتغيه ها هنا، هو مُحاولةٌ لترميم الجسور الصّدِئة والمُتآكلة لهذة الثقافة المُجتمعية، حتى أن الطفلة والمرأة غدت أكثر من يتشربها من الأفراد وباتت سلوكياتها مُنسجِمةً مع هذا النَّسق القِيمي الذي لا ينفك المجتمع يَحيكُه ويمضغه ويجترُّه في كل فرصة وحين.

وبيْدَ أنّ الفكرة أساس السلوك.. لِمَ ينحسرُ الاختيار على الفستان الأبيض (وموسيقى العرس) ليكون ذروة المنال في هذا اليوم الخاص؟ أهوَ اختِصارٌ للآفاق والأحلام والقدرات عند حدّ الزواج، لنؤكد رسالة للطفلة ومن حولها ومن سيليها أنّ قمّة البهجة والإنجاز في "الصَّمدة" على المنصة. أوَليسَ حصراً للاهتمامات في جغرافيّة هدف العوام؟ أوَليس تخديراً للهمم وإبعاداً للإمكانيّات اللامحدودة لقدرة المرأة.

إنّنا نستمر في تقديم موروث النموذج الأمثل والقدوة المنشودة لليوم الأكثر خاصِيّة بالطريقة الأكثر تنميطًا على الإطلاق! إلى متى نظل نضع المقدِّمات الأنيقة عن حقوق المرأة ومكانتها في الإسلام، ثمّ نفشل في تطبيقاتها الميدانية اليوميّة الصّغيرة في البيت والمدرسة والأسواق؟ وإذا كانت هذه أقصى وضعيّةً نرى الطفلة عليها، فلا ضرر ولا استهجان لما تعانيه المُطلَّقات والأرامل في مجتمعنا من إقصاءات وتضييقات في المساحات الطبيعية التي يهبها إياها الخالق فيسبيها منها المخلوق!

أُدرِكُ تماماً، أنّ المُتناول لا يقفُ عند جُزيئات المسألة. إنّما يُساكنُني تفاعلٌ صراعي يمثِّل نموذجاً حيًّا لإرادة داخلية جامحة للتغيير المجتمعي من دائرة التّأثير التي أمتلكها، التأثير المليء بالتّحدّيات المُباشرة في مُجمل الخبرات الانفعالية العميقة التي نُعِدُّ عليها وتمنح الجيل القادم مخطوطات حياتية أُصِرُّ من مكاني أن أجعلها هادفة، إيجابية وبنّاءة. ومحاولاتٍ دؤوبةً من مُمارساتي المُستديمة للتسيير الفكري لهذه الانفعالات والموضوعات لتوسيطها في بؤر اهتمام الطفلة التي ستسيطر على هزِّ وتحريك المجتمع والعالم بأسره قريباً ومنذ الأزل!

فلا بأس إذن، من مُخالفة بعض المألوفات والأعراف المجتمعية الرتيبة، كخطوةٍ أولى ضد مصادرة الشخصية والكيان الطفولي التي نمارسها حتى بدون وعي منا، وحتى وإن طغى صوت ذلك الموروث الكاتم "المرَة لو راحت عالمرّيخ آخرتها للطبيخ".

الواحد أصلُ المجموع! ومتى التفت المربون والمربيات منا، والعلماء والمصلحون والخُطباء والأمهات والآباء إلى أهمّية ضبط المعلومات والقيم والإبداع في تنظيمها ونسقها من جديد كان التغيير. وتذكّروا أننا اليوم، نمارس تربية وإعداد الجيل الذي سيقود هذه الأمة في منتصف الألفية الثانية، وفي عقد الألفية الثالثة تحديداً ستظهر نتِاج غِراس اليوم.

ولطالما أقسمتُ وأعلنت.. "وجلال الله، إنّني لأجِد ريح يوسف في الطفولة والأطفال".

لقد قرأتُ مرّةً في كتاب "إنّ أحد الأسباب التي أدّت إلى استمرار تردّي فتياتنا ونسائنا، هم المِهنيّون الذين تقاعسوا عن إيجاد البدائل الهادفة وكسر المنظومات المجتمعيّة الراكدة والآسنة". الزّقاق الضيِّق سيتحوّل إلى طريق فسيح ورحب. وغرس بِذور الروح الوثّابة المُتَّقِدة في الفرد ستُمهِّد للنجاح الأكبر في المجتمع.

فمُدّوا خِيام القلب واشتعلوا قِرى
أشتمُّ رائحة القميص وطالما
هَطلَ القميص على العيون وبشّرا
لطفلاتي المُعتّقات برائحة الجنة ولكل من ناداني يومًا "معلمتي".. فُيوضَ محبّتي لكم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد