على أطراف العالم يعيشون بصخب وكأنما هم قلبه.
لي صديق سوري، لاجئ، وصل حديثاً إلى إسطنبول قادماً من دير الزور.
– "إن كانت لندن هي عاصمة الضباب فعندنا عاصمة الدخان دير الزور"، هكذا يقول صديقي بفخر ساخراً، لا يحكي عن الماضي كثيراً.
"الله نجانا" يقول في رضا باسماً، بينما يستفيض رفيقي المصري في الحديث عن صولاته وجولاته في الثمانية عشر يوماً اليتيمة بلا كلل.
لا يهتم صديقي السوري كثيراً بالسياسة، رغم متابعته الدقيقة لها، بعكس رفيقي المصري الذي تقل متابعته في مقابل تصريحاته.
يأتي رمضان فيحدثني السوري عن جمال المسجد الذي سيصلي فيه، وتاريخ أجداده العثمانيين في انتماء يتعدى الأيديولوجيا، ويتحدث المصري عن ذكريات المسجد الذي كان يصلي فيه مدفوعاً بالأيدولوجيا.
خطط العيد لها فرق واضح تستشرفه من مفردات الحديث وتدوينات الإنترنت:
السوري: الحمد لله.. نجانا.. سعيد.. أهلي.. الرحمة.. خروجات.. فرحة.. العيد.
المصري: الغربة.. وحدة.. أهلي.. ظلم.. السيسي.. مرسي.. حزن.. أي عيد.
رفيقي المصري محبوس في ذكريات الماضي، بينما يضحك صديقي السوري وهو ينقل ماضيه إلى الواقع، فلا يكتفي السوري بالحديث بل يخلق حاضراً جميلاً استلهمه من رحابة أرض الشام وخيرها بذكاء وحس عملي فريد.
يتجلى ذلك بالأساس في نوعية الوظائف التي عمل بها صديقي السوري، في مقابل رفيقي المصري.
فالمصري جاء ليعمل بـ"الإعلام المعارض"، وحمل لقب "إعلامي مناضل"؛ ليغرق نفسه بما لا خبرة له فيه، بينما نقل السوري خبرة مطعمه في دير الزور، بعد أن تعمد أن يبدأ في العمل نادلاً لدى الأتراك حتى يتقن اللغة، فأتقنها وأدخل عليها من لغته فرضاً جديداً، فترى الأتراك يصطفون حول مائدته في تلذذ وهم يتعلمون نطق اسم "الفلافل والفول والتبولة والفتوش"، بينما هو يصحح لهم النطق في مرح بسيط بساطة إبداع مطبخه.
لا أملك إلا أن أعجب وأتعجب من تأقلم السوريين، ونجاحاتهم الصغيرة في خلق حياة جديدة من وسط ذكريات الحرب، ومحدودية نجاحاتنا كمصريين في تجاوز ماضٍ محدود من الألم لم يكن لنا فيه يد بالأساس.
متمسكون بشفرات الحياة هم، يضحكون وهم متدلون على أطرافها يرددون تكبيرات العيد.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.