كواحدة من قياديات مسيرة التنوع والتسامح الأميركي، وفي الشهر الماضي، أعلنت جامعة هارفارد أنها غير راضية عن نشيد الجامعة (عمره أكثر من 200 عام)، وتريد نشيداً جديداً يسير مع روح العصر.
أو على الأقل تغيير آخر فقرة في النشيد، التي تقول: "لنضحّ حتى نهاية البيوريتانيين" (المسيحيين البروتستانتيين المطهرين، أو الملتزمين، أو المتشددين).
لكن، عارض ذلك بعض الأساتذة والطلاب، رغم أن عددهم قليل، أشاروا إلى أن كلمة "بيوريتان" لا يجب أن تعني "التشدد" أو "التزمت"، ويمكن أن تعني "الطهارة" أو "الدعوة إلى الطهارة" في مجال الدين والأخلاق.
يعود أصل اسم "بيوريتان" إلى ليبراليين ورجال دين بريطانيين بروتستانتيين في القرن السادس عشر (مع اكتشاف الدنيا الجديدة)، سمّوا أنفسهم كذلك؛ لأنهم كانوا يريدون "تطهير" المسيحية من العادات والتقاليد الكاثوليكية، وانتقلت هذه الدعوة إلى الدنيا الجديدة مع المهاجرين الأوائل الذين رأوا أن الكنيسة البريطانية البروتستانتية نفسها ليست "طاهرة" تماماً.
في عام 1636، أسس هؤلاء جامعة هارفارد، بهدف تدريب رجال الدين، ثم سُميت على اسم جون هارفارد، قسيس أسهمَ في تأسيسها، وكتب وصية بأن تؤول ثروته ومكتبته إلى الجامعة (يوجد تمثاله في قلب حرم الجامعة).
وصارت أول مؤسسة تعليم عالٍ في الولايات المتحدة، وأسست فيها أول مطبعة في الولايات المتحدة، ولأكثر من 100 عام، كان كثير من مقرراتها يركز على الدين المسيحي.
في الشهر الماضي، قالت دانييل إلين، أستاذة في جامعة هارفارد، لصحيفة "كريمسون"، (صحيفة طلاب الجامعة): "لا نريد نشيداً جديداً، نريد، فقط، تغيير الجملة الأخيرة." وأضافت: "نعم، الهدف من النشيد هو الالتزام بالبحث عن الحقيقة، لكن، توضح الجملة الأخيرة أن الحقيقة فقط عند مجموعة معينة من الناس".
كانت تتحدث في مؤتمر ليبرالي منفتح عن "انقيدجمنت أون أنكلوشن أند بيلونغنغ" (الارتباط لتحقيق الشمولية والانتماء).
قبل 20 عاماً، غيرت الجامعة جملة في النشيد تقول: "ليصعد أبناؤك عرشك" إلى "لنصعد إلى عرشك"، بعد أن اشتكت طالبات وجمعيات تقدمية بأن النشيد لا يشمل الطالبات.
في الحقيقة، من أسباب أهمية هارفارد ميولها الليبرالية، بالإضافة إلى تاريخها، ومقرراتها، وثروتها، ونفوذها، حتى صارت ربما أكثر جامعات العالم مكانة.
مقرها مدينة كامبريدج الصغيرة (ولاية ماساتشوستس)، التي سميت باسم جامعة كامبريدج في بريطانيا (تأسست عام 1210، قبل أكثر من 400 عام من تأسيس هارفارد).
وهكذا، صارت هارفارد، بالإضافة إلى تاريخها ومبادئها، وربما بسبب ذلك، أغنى جامعة في العالم: 35 مليار دولار قيمة أوقافها.. اليوم، يبلغ عدد طلابها 20,000 تقريباً، وعدد أساتذتها 5,000 تقريباً، وصارت الأولى في تقديم مساعدات مالية للطلاب: 160 مليون دولار تقريباً كرصيد (متوسط المصروفات الجامعية السنوية 40,000 دولار)، لكن، لا يدفع أي مصروفات مدرسية، ولا نفقات السكن والأكل، الطالب الذي لا يزيد دخل عائلته عن 5,000 دولار في الشهر، لكن طبعاً لا بد أن يقبل أولاً.
حسب صحيفة "بوسطن غلوب"، أحياناً تطغى ثروة هارفارد واستثماراتها على أكاديمياتها. من وقت لآخر، يتظاهر طلابها ويطالبون بعدم الاستثمار في أماكن معينة، ولأسباب معينة؛ مثلاً: في جنوب إفريقيا (خلال سنوات حكم الأقلية البيضاء)، وفي شركات التبغ (خلال سنوات الحملة ضد التدخين)، والآن، في شركات النفط (بهدف عدم الاعتماد عليه).
لكن تظل الأكاديميات هي سر نجاح هارفارد، فيها أكبر مكتبة جامعية في الولايات المتحدة (20 مليون كتاب تقريباً)، وكل عام، تقبل فقط نسبة 5 في المائة من الذين يتقدمون بطلبات الالتحاق بها.
ربما ليس صدفة أن هارفارد تريد تغيير نشيدها؛ ليكون أكثر شمولية، وذلك لأن نسبة تنوع طلابها أكثر من نسبة تنوع الشعب الأميركي؛ مثلاً: يشكل الآسيويون نسبة 5 في المائة من سكان الولايات المتحدة، لكن تشكل نسبتهم في هارفارد 17 في المائة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.