مفهوم الزواج في مجتمعاتنا يختلف جداً عن المفهوم الحقيقي والمراد من الزواج، فلم يعد الزواج عبارة عن روحين منسجمين ذهنياً وروحياً، لم يعد اتفاقاً مشتركاً بين اثنين بقناعة تامة ورغبة بأن يقضيا بقية حياتهما معاً، بل تغير مفهوم الزواج ليصبح وسيلة وهروباً وتقليداً و"برستيج"!
لدرجة أن الفتاة في سن الخامسة عشرة بدل أن يكون جلّ تفكيرها في دراستها أصبح تفكيرها في الزواج، لم يعد للفتيات تفكير في أي مستقبل لا دراسي ولا مهني ولا تطوير ذات، أصبح طموحهن أن يتزوجن فلم يعد مهماً من ستتزوج بقدر أهمية الزواج بالنسبة لهن، وكل ذلك نتيجة للتربية والثقافة التي تلقتها الفتاة بأن الزواج هو كل الحياة، ولا حياة من دونه، وأن البنت نهايتها ببيت زوجها، حتى إنك ترى الفتيات يغزون صالات الأفراح بكامل زينتهن، والغرض ليس لمباركة العروسين، بل للفت الانتباه لعلّ إحدى النساء تلتفت لها فتعجب بها وتخطبها لابنها أو لأخيها، وأعزو هذا لعدة أسباب، من بعد التربية:
التقليد: خاصة من صغيرات السن فلا تدرك الفتيات في السن المبكرة ماهية الزواج سوى أن صديقاتها إحداهن خُطبت والأخرى تزوجت، وتريد أن تتزوج مثلهن، تريد تجربة الزواج وارتداء الدبلة والفستان الأبيض، ظناً منها أنه مجرد تجربة ومتى ما أحست بأنها لن تستطيع إكمال المشوار بإمكانها أن توقف القطار، لتنزل بكل سهولة وببساطة.
المشكلة تكمن في قلة التوعية بمفهوم الزواج وأيضاً في أهل تلك الفتيات وعقليتهم المبرمجة على عقول أجدادهم، عندما كانت تتزوج الفتاة قبل أن تبلغ، رغم أن الزمن تغير، لكن ما زالت تلك العادات مترسخة في العقول، ودائماً يتمسكون بها بقولهم: تزوجت جداتنا في هذه السن ما الذي ضرهن، متناسين أن الزواج قديماً كان "تزاوجاً" وليس زواجاً في حد ذاته، وأن الزمن تغير وتغيرت عدة مفاهيم، وأصبحنا في عصر الانفتاح التكنولوجي، لم يعد المجتمع منغلقاً على ما حوله، فبكبسة زر من جوجل تستطيع معرفة ما يجري في العالم من حولك.
خوفاً من العنوسة: تضطر بعض الفتيات للزواج من أشخاص غير مناسبين لهن فقط خوفاً من أن تصبح "عانساً" والجدير بالذكر أن سن العنوسة أصبحت في الثلاثين، أي إذا بلغت الفتاة عمرها الثلاثين ولم تتزوج تصبح في نظر المجتمع عانساً ولا يتقدم لخطبتها إلا الكبير في السن أو المطلق أو الأرمل، أو تكون زوجة ثانية أو ثالثة، بعد سن الثلاثين تصبح الفتاة فاقدة الأمل في أن يتقدم لخطبتها رجل أعزب لم يسبق له الزواج من غيرها؛ لذلك تضطر الفتيات وهن في سن العشرين للتنازل عن عدة شروط حتى لا يعزف الزواج عنهن.
الهروب: أصبح الزواج لدى أغلب الفتيات هو الهروب من الضغط الاجتماعي المحاط بهن من كل جهة، وخاصة ضغط الأهل عليهن وتشبيكهن بعدة قيود اجتماعية، حتى إنهن لا يجدن الراحة والحرية في بيت أهلهن، الأمر الذي يضطرهن إلى البحث عن مهرب، ولا تجد الفتاة مهرباً أمامها سوى الزواج، فتضطر للزواج للهروب من واقع أهلها لعلها تجد الراحة والحرية المنشودة، والواقع الأجمل، متناسية أنها ستخرج من سجن لتجد سجناً آخر، ولكن بطريقة أخرى في بدايتها لطيفة.
وسيلة: أصبح الزواج وسيلة من أجل المتعة والإنجاب، وبذلك يتغير مفهومه إلى "تزاوج"، وأيضاً أصبح وسيلة للوصول لسلم البرستيج في نظرهن، ووسيلة لتحقيق الذات والطموح للوصول للمال والسفر، وما إلى ذلك، أي وسيلة لتحقيق ما لم تستطِع الفتاة تحقيقه تحت ظل أسرتها.
الأسباب عديدة، ولكن أكتفي بأهمها، وهذا فقط بالنسبة للفتيات.
أما بالنسبة للأهل، فعند تزويج بناتهم، الأمر يختلف والأسباب تختلف، وكذلك نظرة الرجل للزواج تختلف.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.