امتلأت صفحات السوشيال ميديا بصور "أحمد حلمي" وهو يعانق زوجته "منى زكي" بعد فوزها بجائزة أفضل ممثلة في أول حفل لأوسكار السينما العربية. وكأن ذلك أمراً خارق للعادة، وكأن مفاهمينا شُوهّت حتى أصبح المألوف بل المفترض، نجاحاً غير مُسبق يُصفّق له ويُندّد به.
رغم أنها قوانين الحياة منذ زمن بعيد..
فالحياة خُلقت أقسى من أن نواجهها وحدنا.. أو نواجهها مع شريك خاطئ في علاقات مُهلِكة!
الحياة درب طويل والأشخاص خُلقوا فيها ليشدوا من أزر بعضهم بعضاً.. ويربطوا على قلب من كُسر قلبه.. رفقاءً للرحلة وليسوا "الرحلة".
ولكن ما نعايشه غير ذلك!
فمَن خُلقوا عوناً.. أصبحوا عِبئاً. وانتهوا أداةً حادة تكسِر وتجرح دون رِفق.
اختزلنا حياتنا ندور في دوائر مُفرغة لا حصر لها من علاقات، افتُرض بها أن تكون مهوّنة لمشقة الطريق.
حتى صِرنا مُفرّغين!
لا نفقه للرحلة معنى، ولا نرى للطريق معالم سوى سراب.. سراب مليء برماد أشباح ذكريات تعثّرت فيها خطانا من قبل.
الحياة أكبر من أن نقرر فيها اختيار شريك طِبقاً للشروط والمعايير "المُجتمعية".. طبقاً للسن المحدد وما جعلوا منه "فروضاً" باسم العُرف.
سُفّهت الرحلة وسُفه انتقاء الشريك فيها حتى أصبح "قعدة عائلية" يُعاين فيها كل منهما "البضاعة"، وما إن تأتّت الشروط اللازمة وتم عقد بنود الصفقة.. رَبِح البيع!
وعلى صعيد آخر، هناك من اختزل الاختيار على معايير جمال يُشبع به رغبة.. على ملبس وهندام "ورقِّة"، فالشكل ها هُنا هو سيد الصفقة.
وأولئك الذين بدّدوا عمرهم وأسرفوا السنين حُزناً على "خيانة، برود، قلة حيلة" الطرف الآخر..
على تلك الصداقة، وذاك الزواج، وتلك العلاقة!
ومنهنّ من "انتقين" شريكهنّ.. بعد أن "بنى نفسه"، بعدما وصل، وعافر وقاوم. أرادته صانعاً لإمبراطوريته قبل أخذها إليها. لم تُشاركه تعبه وجُرف طريقه.
لم تُشاهد نجاحه ولم تُعايش فقره وزُهده. لم تكن العون والسند، الكتف الصامد حين يضعف هو. لم تعايشه تيه أفكاره وتشتت ذهنه ولم تشهد مراحل نُضجه حتى وصل لِما أبهرها الآن. لم تفِ بشراكة البدأ والخوض حتى النهاية. لم تبدأ الرحلة معه بل أرادت أن تكون "خِتام مِسك"!
هؤلاء من فُقدت في حياتهما حلقة كبيرة، كفصلٍ من رواية ممحوّ لا أثر له. مَن اتسعّت الهوّة بينهما وازداد الفتور والتهميش للطرف الآخر كنتيجة حتمية لتلك الفصول المحذوفة!
في حين اكتفى البعض الآخر بأنفسهم ورفعوا شعار "الاستقلالية".. عزموا العبور مفرداً كي ينجو بأحلامهم وحياتهم. أفلتوا أيديهم من كل من خذلهم في تعاريج الطريق ولم يُعاودوا الرِفقة حين استوى.
وكلٌ تائه.. وكلٌ قصّته منتقصة!
لو جعل الله النجاح مُفرداً، لَما خلق البشر، لَما خلق حوّاء من ضِلع آدم ولَما جعل هارون لموسى "وزيراً".
الأمر وما فيه.. أننا نفتقد الاختيار المُتأنّي، أخطأنا معايير "رفيق الدرب" وليس "ضل الراجل" ولا "البنت الحلوة"! ننبهر بالخطفة ونغترّ ببدايات برّاقة..
ننسى أن العِبرة بمن يُمسك أيدينا رغم الصعاب، من يُكمل معنا الخُطى حتى النهاية.. نغفل التمنّي لحُسن المُنتهى لا المُلتقى.
أصبحنا نختار من يُلائم "اسمنا، عائلتنا، أقراننا" ونسينا "أرواحنا".
لا عجب من كم "الطلاق" الهائل والانفصالات المتكررة.. لا عَجَب من تلوّن الحياة بلون الكآبة في أعين المنفصلين بعد طول تعلّق.
الحياة لا وقت، ولا ترف فيها زائد يسمح لنا بتبديد المشاعر في "فُرَص"، في خيبات أمل متتالية.
فالحياة تشترط رِفقة من يُلملم شتات أرواحنا، من يعي صمتنا ولا يجيد تجمّلاً زائفاً. من نشاركه أفكارنا المبعثرة ويجبر كسر خواطرنا. من يعزّز من أحلامنا في زحام الطرق وصخب "المرفوض".
من يُصفّق لنجاحنا بفخرٍ ويتباهى بنا!
من يُسكن روعنا ومن يغتني بنا وبه نغتني عن كل من سِواه.
"أحمد حلمي" لم يكن روميو.. وعناقه لزوجته ليس حدثاً تاريخيًّا.
إنه ليس زوجاً فحسب.. بل شَريكاً!
أو ذلك ما بدا عليه على الأقل. ذلك هو المُفترض والعاديّ، وليس معجزة.. بل نحن من أصبحنا بائسين بما يكفي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.