هل هو الوقت المناسب للأمريكيين لاختيار ” ترامبهم”؟

ربما لم أستغرب نجاح "دونالد ترامب" لأنني أنتمي لهذه المنطقة من العالم، حيث خطاب الرجل ليس استثناءً، ولا هو مُغردٌ خارج السرب، فكلما اشتدت الأزمة وخيم الخوف، انكمشت الشعوب على نفسها تبحث عن "ترامبها"، فإن هي لم تجده، صنعته..

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/01 الساعة 04:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/01 الساعة 04:26 بتوقيت غرينتش

طيلة السنة الماضية، كنتُ كلما التقيت على هامش ندوة أو محاضرة أو تدريب، زميلة أو زميلاً أميركيا مشاركاً إلا وسألت:

"هل تظن أن ترامب يمتلك حظوظاً في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟"

كان الردُ الغالبُ نظرةَ اشمئزازٍ مصحوبة بعبارات الاستحالة الأميركية الواثقة، وأكثرهم تهذيباً كان يبتسم إشفاقاً عليّ من سذاجتي وبساطة عقلي، قبل أن "يُطمئنني" أن الرجل مُجردُ مهرج ثري يلهُو إلى حين..

في كل مرة، كانت كلمتا "مهرج" و"ثري" كفيلتين بإقناعي أن الرجل أقرب إلى "المكتب البيضاوي" مما يعتقدون، فما السياسة إذا إلا كثيرٌ من هذا وذاك؟

وللإنصاف، فإن أغلب من سألت من الأصدقاء كانوا من الجامعيين ذوي الميول الديمقراطية، المؤمنين أن الصوت الأميركي المتنوع، أعقل من أن يدخل صندوقاً يُبشر صاحبه بفكر إقصائي، يتوعد اللاجئين في بلد معظم سكانه من أحفاد المهاجرين واللاجئين، ويحمل خطاباً يذكرنا بزمان بائد قرأنا عنه كثيراً بامتعاض واستنكار كبيرين، ودرجنا على تسميته بزمن الفاشية، حيث الاستبداد مُبررٌ بل ومحمودٌ، يحصل على شرعيته من التعصب الشعبي، والرغبة في استرجاع هيمنة وعز ضائع. ولا شيء يُعبر عن هذا الأمل أبلغ من شعار "دونالد ترامب" الرسمي: "لنجعل أميركا عظيمة من جديد".

المفاجئ بالنسبة إليّ ليس نجاح "دونالد ترامب" في كسب دعم شعبي متزايد طيلة حملته المستمرة، أو خلال الانتخابات الأولية.

الغريب هو استخفاف الجميع بظاهرته بمن في ذلك الحزب الجمهوري نفسه الذي ظل يراهن على أفول نجم المهرج الثري بعد كل "زلَّة" لسان، أو تعليق مسيء عن النساء أو الأقليات أو الدول، فلا يزيده كل ذلك إلا قبولاً ملحوظاً عند الرأي العام الجمهوري..

ربما لم أستغرب نجاح "دونالد ترامب" لأنني أنتمي لهذه المنطقة من العالم، حيث خطاب الرجل ليس استثناءً، ولا هو مُغردٌ خارج السرب، فكلما اشتدت الأزمة وخيم الخوف، انكمشت الشعوب على نفسها تبحث عن "ترامبها"، فإن هي لم تجده، صنعته..

هكذا كانت الأوضاع قبل نشوء الحركات الاستبدادية في القرن العشرين: ثنائية الماضي المجيد والواقع المتأزم..
دائما ما تفرز فكرة المخلص العظيم.. أو القادر على إقناعك بأنه عظيم، وإن كان لايعدو مهرجاً ثريًّا.

وليس في مقارنة الشرق الأوسط، أو أوروبا بالولايات المتحدة هنا أي شطط، لأن الأزمة والخوف والانكماش اليوم واقع عام: كلٌّ مُتوجسٌ من كل، والكل يستعدي الكل.. والأحلاف تتغير..

لكن يظل من دُهِش ويُدْهَشُ منا لاستمرار ترامب ونجاحه رغم أفكاره الخرقاء، التي تبدو خارج التاريخ، هو من أحسن ويُحسن الظن في وعي الفرد الأميركي وقيمة صوته، القادر على إرجاع الأمور إلى نصابها -وإن كان النصاب هنا نسبيًّا جدًّا- في انتخابات من المفروض أنها حرة ونزيهة.. ولأنها حرة ونزيهة، فحظوظ المهرج الثري في أن يصل إلى البيت الأبيض تظل مهمة، إلا أن المهم ليس وصوله من عدمه، لأن الأهم قد حدث فعلاً: استمراره إلى الآن واتساع رقعة مريديه، فإما أن حجته قوية بخصوص طرد وتهجير جنسيات بعينها، وبناء أسوار عازلة على طول الحدود الجنوبية، وحظر دخول كل المسلمين الأراضي الأميركية، أو أنه لا يعدو أن يكون لسان حال جزء كبير من الأميركيين، وكلا الأمرين مخزٍ حقًّا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد