“مؤتمر وطني” للإصلاح أم للتغيير؟

مع شحة المبادرات والمقترحات والدراسات المطروحة بهذا الصدد نجد نوعاً من التراخي وعدم الاهتمام من جانب النخب السياسية والفكرية، وكما لاحظته من خلال متابعاتي المبكرة لقيام إطار معارض شامل وديمقراطي

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/24 الساعة 02:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/24 الساعة 02:13 بتوقيت غرينتش

هناك في جميع الثورات الوطنية التحررية أو الهادفة منها إلى إزالة الاستبداد وإجراء التغيير الديمقراطي، كما في حالة الثورة السورية، كأحد روافد ثورات الربيع، من المفترض أن تكون هناك باستمرار محطات للمراجعة في أطر المعارضة الوطنية وقوى الثورة؛ لتشخيص الأخطاء وتصحيحها، وممارسة أعمق أنواع النقد والنقد الذاتي، وذلك في أوسع المشاركات، ليست النخبوية منها فحسب، بل الشعبية الحاضنة الأولى والأخيرة لحاملي أمانة التغيير وصناع سوريا الجديدة المنشودة.

لا شك أن مساعي المراجعة الجذرية الذهنية والسياسية تصطدم في معظم الأحيان بقساوة الحالة القائمة في ظل الهجمات العسكرية الشرسة على مدن وبلدات ومناطق البلاد، ويسود الصمت بدلاً من رفع صوت النقد في معظم الأحيان أمام قعقعة سلاح جيوش ومرتزقة وميليشيات النظام وأعوانه، والفظائع التي ترتكب بحق شعبنا، وخصوصاً المدنيين من النساء والأطفال على أيدي العدو الروسي والإيراني في حلب وحماة وحمص ومختلف مناطق بلادنا، فالنظام وأعوانه، ومن دون شك، سيحاولون بكل قواهم عدم منح الفرصة لأية مراجعة أو تقييم تستعيد زمام المبادرة، وتعزز الوحدة النضالية، وتوسع صفوف الثورة، وتضع الخطط المحكمة والبرامج والمشاريع المدروسة للمواجهة.

مع شحة المبادرات والمقترحات والدراسات المطروحة بهذا الصدد نجد نوعاً من التراخي وعدم الاهتمام من جانب النخب السياسية والفكرية، وكما لاحظته من خلال متابعاتي المبكرة لقيام إطار معارض شامل وديمقراطي، ومن بعده لفكرة إعادة بناء كيانات المعارضة، وقبل ذلك وتحديداً قبل نحو أربعة أعوام الدعوة إلى هيكلة تشكيلات الجيش الحر كجسم عسكري أساسي للثورة، والتي عبث بها "المجلس الوطني السوري"، وشتت صفوفها لأسباب أيديولوجية – حزبية.

تلك الدعوة التي وقف وراءها جمع من الوطنيين المستقلين، ولم يفلحوا في تحقيقها بسبب المعارضة الشديدة من جانب أصحاب المصالح والمواقع والرواتب الخيالية، وتصدرهم حينذاك الإخوان المسلمون الذين كانوا يديرون المجلس ويتحكمون في كل صغيرة وكبيرة من شؤون المعارضة في الداخل، والإغاثة وعلى الحدود، وفي تركيا.

ومن الملاحظ أن ما يطرح حتى الآن بهذا الصدد، وعلى الأغلب، لا يتعدى القشور والشكليات في إطار الإصلاحات والترقيع إلا ما ندر من أطروحات جذرية تستهدف إجراء التغيير العميق في المجالين التنظيمي السياسي والعسكري على صعيدي العامل الذاتي أولاً، وهو الأهم، والموضوعي بما يتعلق الأمر بالبرنامج السياسي والخطط والتكتيك وسبل التعامل مع الداخل والخارج.

هناك قبول "خجول" لدى البعض لمقترح "المؤتمر الوطني السوري"، ولكن ليس من أجل المراجعة العميقة وإعادة بناء هياكل الثورة وكيانات المعارضة، بل في سبيل إصلاح "الائتلاف" الأكثر قرباً من القضية السورية، والأوسع قبولاً على الصعيد الدولي، كما يعتقد ذلك البعض وكما أرى، وإذا تعلق الأمر بإصلاح الائتلاف أو أي كيان معارض آخر لا يحتاج إلى "مؤتمرات وطنية جامعة" بل إلى اجتماعات بين مؤسساته وأعضائه فقط؛ لأن الائتلاف لم يظهر عبر إجماع شعبي عام أو مؤتمر وطني من ممثلي كل المكونات السورية والتيارات السياسية، بل جاء امتداداً للمجلس الوطني وبإرادة النظام العربي الرسمي بعد أن أخفق الأول.

كما أن أي مؤتمر وطني يجب وبالضرورة حتى يكون ناجحاً أن تشرف عليه إعداداً وتنظيماً ومشاركةً لجنة تحضيرية تعبر بقدر الإمكان عن النسيج الوطني السوري قومياً ودينياً ومذهبياً، وتمثل بشكل عام معظم التيارات السياسية في الحركة الوطنية السياسية السورية، أما أن تعمد قيادة الائتلاف إلى عقد ذلك المؤتمر، فبالتأكيد لن يكون من أجل المراجعة والمساءلة وإثارة مسؤولية الأخطاء والانحرافات والتجديد عبر الوسائل الديمقراطية، ولن ينتج عنه إلا صورة مشابهة "للهيئة العليا التفاوضية" التي تواجه الآن الطريق المسدود.

كما أرى وانطلاقاً من المشهد الراهن في بلادنا ومصيرها أن الأولوية في أعمال أي مؤتمر وطني سوري جامع وشامل هي مراجعة عميقة وصريحة وموضوعية لما جرى في الأعوام الخمسة الماضية، ووضع النقاط على الحروف حول كل القضايا، بما فيها الخلافية، والانتقال من مواقع التردد والتجاهل نحو فضاء أوسع من المصارحة والمكاشفة، ومن ثم الاتفاق على القضايا الأساسية، والتوافق على المسائل والأمور التي قد تحمل التباينات، والمضي قدماً ومعاً من أجل صياغة البرنامج الإنقاذي، وانتخاب مجلس سياسي – عسكري لقيادة المرحلة، ومواجهة تحدياتها.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد