قصة شال

تعرّفنا على قصة أولادها الثلاثة الذين سقطوا شهداء في فترات متقاربة.. حكت لنا أنّها أرادت أن تُزوّج الابن الأصغر كي تسعد بأحفاد وأولاد، فوافق الشاب وأقسم عليها أن تخيط له شالاً يحمل علم الثورة ليكون على كتفيه ليلة زفافه، فحاكته بقلبها وروحها لأنّه من تبقّى من أولادها الذين سبقوها للجنة -إن شاء الله- ولمّا كاد أن ينتهي الشال، سمعت نبأ استشهاده.

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/02 الساعة 04:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/02 الساعة 04:07 بتوقيت غرينتش

تعرّفنا على قصة أولادها الثلاثة الذين سقطوا شهداء في فترات متقاربة.. حكت لنا أنّها أرادت أن تُزوّج الابن الأصغر كي تسعد بأحفاد وأولاد، فوافق الشاب وأقسم عليها أن تخيط له شالاً يحمل علم الثورة ليكون على كتفيه ليلة زفافه، فحاكته بقلبها وروحها لأنّه من تبقّى من أولادها الذين سبقوها للجنة -إن شاء الله- ولمّا كاد أن ينتهي الشال، سمعت نبأ استشهاده.. شهقت وبكت وأبكتنا وهي تروي قصة استشهاده.

خفّفتُ عنها ظنًّا منّي أنّها بحاجة كلماتي، لكنّ نظراتها كانت أصلب من الحديد.. قلت لها يا أمّي كلّنا "عمر"، وأنت أمّ كل حرّ، هزّت برأسها نظرت إليّ ثم ذهبت لتفتح صندوقاً فيه ما تبقّى من ثياب عمر، أخرجت الشال، وقالت لي هذا هو شاله المُخضّب بالجمال.. اكتنفته، وعانقت فيه عمر، ثم ناولتني إياه.. قالت لي: خذه يا ابني، لكن خذه بحقّه.. قلت لها وما حقّه أمّاه: قالت أن تنقل لكل من تعرف قصّة هذا الشال وقصّة عمر وإخوانه.

عدت للسويد.. مضت الأيام وكان الشال رفيقي في المظاهرات واللقاءت والمؤتمرات، وفي إحدى المرّات طلب منّي الفريق المنظّم لإحدى المؤتمرات الإسلامية الكبرى في السويد‬ أن أساهم في إحدى المزادات لحثّ الناس على التبرّع من أجل ‏سوريا‬، عندما شعروا أنّ الناس لا تتجاوب بشكل جيد.. أخذت شالي وصعدت المسرح، رفعته، وقلت لهم هذا شال شهيد أيها الناس، كان مُعدًّا له أن يُرافق صاحبه ليلة زفافه، وعندما سلّمتني إياه أمّ الشهيد أوصتني أن آخذه بحقّه.. والحقيقة أنّه من أكثر الأشياء الغالية على قلبي ولم أكن أنوي تسليمه لغيري لولا أن سوريا وأهلها بحاجة للعون المباشر وتستحق من كل واحد منّا التضحية، ثم لم أتمالك نفسي فبكيت.. توقفت عن الكلام هنيهة، ثم قلت: الآن يا جماعة من يأخذه بحقّه؟

– كان الضوء مسلطاً على عيني، لم أشاهد أحداً أمامي من الجمهور الغفير، لكنّني سمعت صوت امرأة تبكي بحرقة في الخلف، وترفع صوتها لتُخبرني أنّها ستأخذه بحقّه وكأنّي بها تتسابق ليكون لها، قبل أن يسبقها إليه أحد.. قلت لها تقدّمي يا أختي ليراك الناس، فتقدمت وبجانبها ابنها، قلت لها وما حقّه يا أختي؟ قالت لي حقّه ما أملكه الآن (60000) كرون سويدي أي ما يعادل 8000 دولار.. سلّمتها إياه، وأوصيتها أن تعتني به جيداً وأن تحكي قصته لكل من تعرف، ألبسته لابنها الذي سُرّ به كثيراً.. ثم انهالت التبرعات بعد ذلك حتى استطعنا شراء 16 سيارة إسعاف وإرسالها لسوريا.

– انتقلت من السويد وتركت أهلها، وانقضى على قصة المزاد أكثر من 3 سنوات.. وإذ بالمرأة وزوجها يتواصلون معي يطلبون زيارتي في ‫#‏تركيا‬ فرحبّت بذلك أيّما ترحيب.. قالت لي الأخت: هناك هدية من ابني لك، شكرتها وزوجها وابنها.. قالت لي: أريد منك أن تفتحها رجاء، فتعجبت من طلبها، لأنّ الناس في العادة لا تفعل ذلك.. قالت لي أريد أن أرى تعابير وجهك بينما تفتحها، زاد ذلك من تعجّبي.. فتحتها، وإذ بالشال الجميل.

عادت كل صور الثورة والشهداء وعمر والأم الصابرة والمزاد وبكاء الأخت وسيارات الإسعاف.. شكرتها من قلبي، قلت لها هذا الشال يا أختي غالٍ عليّ كثيراً وكل خطوة خطوتها على المسرح يوم المؤتمر كانت كألف ميل، لكنّني كنت مُتيقناً بأنّ الله سيُصيّر من سيأخذه بحقّه..
‬رحم الله قلوباً ما زالت تتلهف للحرية والثورة والحق.. رحم الله عمر وأم عمر وبارك في أختنا الطيبة.. ولله در الذكريات!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد