فستان يصنع التاريخ!

التاريخ يُصنع الآن، فبعد عشر سنوات مثلاً، سيتعلم أطفالنا في المدارس، كيف استولت روسيا على سوريا، وكيف قام داعش بشل حركة العالم

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/29 الساعة 05:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/29 الساعة 05:10 بتوقيت غرينتش

في الوقت الذي كانت فيه سوريا تنزف، وفلسطين تغرق في دمائها ككل مرة، سقط العالم في صراع حاد عن لون فستان، حتى أن القنوات التلفزيونية والجرائد، قامت بتداول ذلك الموضوع (الجد مهم).

كان الموضوع جد مهم، لدرجة أن الفيسبوكيين قرروا القيام بدراسات واستطلاعات حول الآراء -لم يسألنا أحد من قبل عن اللون في فلسطين، فكلنا نعلم أنه أحمر- وخصصوا لهذا النقاش الكثير من الوقت، حتى أن الألعاب قد تبنت فكرة الفستان، وأدمجتها في ألعابها (أنا شخصيًّا أملك لحد الآن لعبة على هاتفي، قامت بإدخال فكرة الفستان في برمجتها).

هذا ليس بالأمر الغريب، فسوق الربح هكذا، ليس علينا أن نستغرب، لأنها قبل أن تدمج فكرة الفستان، أدمجت فكرة القتل والدماء والاعتداء، للحد الذي جعل الأجيال الحالية جد عنيفة، ومعتادة على رؤية الدماء، ولو افتراضيًّا. ربما لهذا لم يعد يحركهم هول المناظر الدموية التي لا تخلو منها الأخبار التلفازية، ولا المواقع الإلكترونية، حتى أن اللقمة تكاد تجد طريقاً منزلقاً كبيراً في حناجرهم وهم يشاهدون ويرون مناظر القتل والتعنيف، دون أن يحسوا بشيء.

"ثم ماذا؟".. سيعلق البعض جدلا، ثم ماذا؟ ألا يستحق حدث فريد من نوعه أن نوليه هذا القدر من الاهتمام والمتابعة؟

بالطبع يستحق، يستحق أن تهاتفوا أصدقاءكم في منتصف الليل لتسألوهم عن اللون الذي رأوه، يستحق أن تمضوا إلى أمهاتكم وجداتكم، لتقوموا باستطلاع آرائهم، ويستحق حتى أن تستهزئوا بكل من رأى الفستان باللون الأبيض والأصفر (لأن لونه الأصلي كما صرحت مالكته، هو الأزرق والأسود)، يستحق الموضوع أن تبحثوا فيه وتتساءلوا، لكن بعد أن تجدوا الأجوبة، رجاء أخبرونا بالنفع الذي عادت به أجوبتكم على العالم.. كفانا تهريجاً.

ثم بعد أن تجدوا الوقت الكافي، لترفعوا أعينكم، وتنظروا إلى حالنا المزرية، ربما حينها ستتساءلون.. متى حدث كل هذا (حين كنا نائمين على وسائد الأيديولوجية والأفكار المتقنة الاستهداف يا فالح)؟

التاريخ يُصنع الآن، فبعد عشر سنوات مثلاً، سيتعلم أطفالنا في المدارس، كيف استولت روسيا على سوريا، وكيف قام داعش بشل حركة العالم، شلًّا مستهدفاً من طرف القوى المتآمرة، وكيف أنه سمى نفسه بتنظيم الدولة الإسلامية، وامتلك من ترسانة الأسلحة ما لا يخطر على بال، وفي نفس الوقت، بعد أن سمى نفسه تنظيماً إسلاميًّا، لم يستطع ولا حتى من بعيد أن يهدد وجود إسرائيل.

سيكتب العالم كيف تخلينا عن فلسطين من جديد، حتى قدمت أطفالها (14 سنة) قرباناً للكرامة والعزة الفلسطينية.
أين نحن من هذا كله؟ مستمتعون بالحديث عن الفساتين، والموضات الرائجة؟

لا أستبعد أنه في المستقبل، سيتم التفريق بين الغزو العسكري، والغزو الفكري لنوضع في خانة الغزو الفكري، ويتعلم أطفالنا أننا وإن لم نكن تحت يد استعمار عسكرية، فنحن تحت غزو الألعاب الإلكترونية، ومواقع التواصل الافتراضية ..ياله من عار!

سيتعلم أطفالنا في المستقبل القريب، كيف تمكن السيد مارك من الاستيلاء على أعز ما نملكه، عقل حر نفكر به، أو بالأحرى كيف قدمناه لهم على صحون من ذهب، بعد تبجيل وتمجيد، ودعوات بالربح التام والمكاسب الكبيرة.

تافهون نحن حد أن صرنا نسخة مقلدة عن بعضنا، رجال آليُّون، غير أن الفرق بيننا وبين الرجال الآليين، إن الرجال الآليين من صنع البشر، ونحن مِن صُنْعِ الله.

تافهون للحد الذي يجعلنا نطالب بحقوقنا على صورة صدقة من كراكيزهم التي تسلقت فوق رؤوسنا ليصبحوا رؤساء دول وأعضاء برلمانيين ورؤساء حكومات.

قد قالها محمد درويش مرة: هناك من يطالب بالحرية، وهناك من يطالب بشروط تحسين العبودية. أما نحن، فنمشي إلى العبودية مشي الكرام الأعزاء المتعقلين، متبجحين بتحقيقنا أعلى النقاط في ألعاب المزرعة السعيدة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد