هل الإحباط أصاب شباب مصر أم أنه هو الذي أصيب بـ"الشباب"؟
أستقي "غرابة" السؤال السابق من الواقع الذي يعيشه شباب مصر الذي يثير في نفوس المتابعين له أسئلة عدة، تخلص جميعها في أن شباب "المحروسة" يعيشون حالة سداسية لا يفارقها الجميع، أو تحيط بهم على اختلاف ثقافتهم وميولهم وانتماءاتهم.
واتخذ الصنف الأول من الشباب قول جورج برنارد شو الشهير: "هو لا يعرف شيئاً ولكنه يعتقد أنه يعرف كل شيء.. وهذا يشير بوضوح إلى أن لهُ مستقبلاً سياسيًّا"، حينما تعمدت هذه الفئة أن تقحم نفسها في السياسة معتقدة أنها تعلم صغيرها وكبيرها وما خفي منها، فتقع فريسة لساسة تمرسوا في "سيركها" و"لعقوا" بلاطه، ليجدوا في هؤلاء الشباب فرصة لدعم برامج حزبية أو شخصية أقل ما توصف به أنها "وهمية" بعد أن صدروا في واجهتها الشباب ترويجاً وأهدافاً، وأحياناً غاية خيالية.
أما الصنف الثاني فله هوية لكنها باتت "منبوذة" بفعل فاعل أو دون قصد أو بجهل، وهنا تتعدد الهويات والانتماءات فإن كان الاختيار "دينيًّا" فليكن مستعداً للقب لم يحصده أشهر نجوم العالم قاطبة "أبشر حصدت لقب إرهابي عن جدارة"، وإن كان الانتماء رياضيًّا أو إلى ما يطلق عليهم "الألتراس" فلتحذر مخالفة مشاهير الإعلام والمسيطرين على قنواته فلقب "إرهابي" جاهز أيضاً على مقاسك وبأشكال مختلفة تناسب كل الأذواق، أما لو كان الانتماء "علميًّا" أو كنت "مخترعاً" فعليك الرحمة والسلامة وستجد لقباً أكثر إشراقا ووضوحا "مختل عقليًّا"!
والصنف الثالث من الشباب "لا حول له ولا قوة" ويأتيه قول برنارد شو مسرعا ليخبره بأن: "المُجرم شخص كَغيره من الناس والفرق فقط أنه تمّ القَبض عليه متلبساً"، فهذه الفئة تعيش على الجرائم "وسيلة" و"غاية"، تنعم بطرقها وتخاطر بحياتها من أجلها، بعضهم يعيش جسداً بلا قلب، وآخرون يعرفون أنجع الوسائل في إماتة القلب وذبحه، فالترامادول كفيل به، والبانجو دواء من لا دواء له وتعددت أصناف المخدرات، وحينما تخبر أحدهم بأنه "ابن ناس طيبين" فلماذا سلك هذا الطريق، تأتي إجابة قاطعة مانعة منطقية من وجهة نظره "هانعمل إيه يا باشا الدولة عايزة كدا القوي بس اللي بيعرف يعيش ولو كلتش الناس هايكلوك!".
وعلى غرار قول الأديبة الجزائرية الشهيرة أحلام مستغانمي: "سلطة المال كما سلطة الحكم لا تعرف الأمان العاطفي"، اختار بعض شباب "أم الدنيا" هذا الطريق بحثاً عن السلطة فتخلوا عن أسمى عاطفة يشعر بها الإنسان وهي "الأمان العاطفي"؛ لكن أهدافهم وطموحاتهم وانتفاعاتهم "المالية" و"السلطاوية" يمكنها أن تشتري وتقتني لهم كل ما يحلمون به -من وجهة نظرهم- فهم على استعداد أن يضحوا بالأخ والصديق من أجل المال أو السلطة؛ إلا أنهم لم يقرأوا بقية قول مستغانمي السابق حين ذكرت: "سلطة المال كما سلطة الحُكم لا تعرف الأمان العاطفيّ، يحتاج صاحبها إلى أن يُفلس ليختبر قلوب من حوله وأن تنقلب عليه الأيّام ليستقيم حكمه على الناس".
وهناك شباب "شكسبير" الذين اتخذوا من قول الأديب الإنجليزي الشهير "إنّ الحزن الصّامت يهمس في القلب حتى يحطّمه"، مثالاً وقدوة في حياتهم، فتراهم يعيشون حالة من عدم الأمان العاطفي والحزن وفقد الثقة في الجميع وفي كل شيء حولهم، يعملون دون أن يدروا لماذا يعملون، يبدعون دون هدف، يبتكرون دون أن يشعروا بزهو الابتكار وفخَاره، ينجزون فلا يشعرون لماذا أنجزوا وماذا أنجزوا، يحيون ويموتون دون التفكير في هدف!
وأخيرا، شباب يبحثون عن "الهوية الضائعة" فيترنحون بين الأصناف الخمسة السابقة، لكنهم لا إلى هؤلاء انتموا ولا إلى غيرهم يمكنك "تصنيفهم"؛ ليعودوا من حيث أتوا دون تغيير سوى تذوق "طعم" جميع الأصناف دون الاستمتاع بأحدها.
وإذا جئنا للنصف الثاني من السؤال: "أم أن الإحباط هو الذي أصيب بـ"الشباب"؟
يبدو لي أن اليأس والإحباط استشعرا أن حال "انعدام الرؤية والوزن" لدى الشباب المصري لا تزال "مستمرة" ومتواصلة لحين إشعار آخر؛ الأمر الذي ارتاح معه "عدوا" الشباب -اليأس والإحباط- واطمأنا به ليعودا إليهما شبابهما، بعد أن أصبح شباب مصر "خارج الخدمة مؤقتاً"!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.