لا تنتهي قصة اللاجئين بمجرد إعادة توطينهم في مكان آخر، بل في كثير من الأحيان لا يُمثل ذلك إلا البداية. ولذلك حملت منظمة غير ربحية في تكساس على عاتقها مهمة مساعدة الأطفال الذين وصلوا حديثاً للولايات المتحدة، حيث تعمل على إمدادهم بأُسس متينة، من شأنها أن تُساعدهم في الأشهر التي تعد الأكثر صعوبة في بلدهم الجديد.
الأكاديمية الرائعة
في شهر سبتمبر/أيلول 2016، أطلقت المنظمة غير الربحية المهتمة بإعادة التوطين (أمانة لخدمات اللاجئين)، مشروع "الأكاديمية الرائعة" بمدينة أوستن في ولاية تكساس.
تهدف الأكاديمية إلى إرشاد ومساعدة الشباب اللاجئين في دراستهم بالوقت الأكثر حساسية من رحلتهم. في البداية، افتتح برنامج التدريس الخاص بالأكاديمية 5 مقرات في مدينة هيوستن عام 2014.
توسع الأمر بعد ذلك، وأُضيف مقران جديدان هذا العام في أوستن، رغم تصاعد الخطاب المعادي للمهاجرين على المستوى الحكومي والشعبي.
عملية الفرز
على الجانب الآخر، أمضى المرشح الرئاسي دونالد ترامب وقتاً كبيراً من حملته الانتخابية في محاولة استغلال القلق الشعبي حول إمكانية تسلل عناصر من تنظيم "داعش" إلى الولايات المتحدة، أثناء تدفق اللاجئين القادمين من سوريا.
في ذات السياق، توقف حاكم تكساس غريغ أبوت عن استقبال التمويل الفيدرالي من مكتب إعادة توطين اللاجئين في بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد أن فشلت إدارة أوباما في الاستجابة لمطالبه الخاصة بـ"القبول غير المشروط" للتحري والفحص الكامل للاجئين السوريين، رغم أن الحكومة تُجري عملية فرز صارمة بالفعل.
تتعامل مثل هذه المعارضة مع اللاجئين باعتبارهم وحدة متجانسة، وبذلك يتغاضون عن التنوع الكبير بين المهاجرين الوافدين إلى البلاد. لكن تركيبة الطلاب المشاركين في الأكاديمية -سواء في أوستن أو في هيوستن- تتحدى الخطاب الذي يزعم بأن الوافدين إلى البلاد ينتمون إلى مكان واحد وثقافة واحدة.
في حديثه إلى "الإندبندنت" بمدرسة غاليندو الابتدائية جنوبي أوستن، علَّق غلام قاهر، المدير التنفيذي لمنظمة "أمانة"، عن التنوع بين طلاب الأكاديمية، قائلاً إن ذلك "يُمثل حقيقة معايير القبول في برنامج تكساس لإعادة التوطين".
وأضاف: "يأتي كثيرون إلى الولايات المتحدة من 40 أو 45 دولة حول العالم، لذا نجد فكرة أن الوافدين إلى أميركا يأتون حصراً من سوريا هي فكرة غير صحيحة. فمن بين 80.000 أو 70.000 يأتون إلى هنا، ثمة 10.000 فقط يأتون من سوريا".
وبالفعل تشير السجلات الحكومية إلى أن ما يقرب من 85.000 لاجئ دخلوا إلى الولايات المتحدة بين أكتوبر/تشرين الأول 2015 وأكتوبر/تشرين الأول 2016. وما يقرب من 75% من هذه الأرقام هم من النساء والأطفال.
بدأ قاهر، وهو ابن الجيل الأول للمهاجرين الباكستانيين هذا المشروع في عام 2008 في شكل مجموعة من الطلاب، عندما كان يدرس التمويل في جامعة هيوستن. ومنذ 5 أعوام، بدأ في العمل مع "أمانة" بشكل رسمي.
باعتبارها منظمة تهتم بمرحلة ما بعد التوطين، تبدأ أمانة عملها عندما ينتهي الدعم الفيدرالي بعد 6 أشهر، إذ توفر مساعدة طويلة المدى من أجل الاندماج. ويأتي حوالي 80% من تمويل المنظمة عن طريق تبرعات فردية، بالإضافة إلى التبرعات من بعض الشركات في تكساس.
خدمات تقدمها المنظمة
وتعد الأكاديمية خدمة من بين عدة خدمات تقدمها المنظمة، وتشمل هذه الخدمات على سبيل المثال: مساعدة الأم المعيلة، وبرنامج توفير الملابس المجانية، بالإضافة إلى دوري كرة قدم للشباب. تشير ناتاشا باريتو روميرو، مديرة مدرسة غاليندو الابتدائية، إلى أن المدرسة تضم 31 طالباً من سوريا والعراق ورواندا والصومال.
نظراً لقرب مدرسة غاليندو من المجمعات السكنية للاجئين، فهي تعد الاختيار الأفضل من هذه الزاوية. الجدير بالذكر أن غاليندو تعمل بالتنسيق مع منظمات محلية لإعادة توطين اللاجئين، مثل منظمة تكساس لخدمات اللاجئين ومنظمة كاريتاس، ويشمل التعاون بينها توفير سكن للوافدين.
تفاهم عائلات اللاجئين
تجد عائلات اللاجئين في غاليندو دعماً كبيراً، ويرجع ذلك جزئياً للتركيب اللاتيني الغالب على تكوين المدرسة. إذ تبلغ نسبة طلاب المدرسة اللاتينيين حوالي 88.7%، 55% منهم لديهم القدرة على التعلم بالإنجليزية.
لذا، ثمة عنصر مشترك بين الغالبية من أولياء الأمور في مدرسة غاليندو. تقول ناتاشا باريتو: "كثيرون منا ينتمون إلى عائلات هاجرت إلى الولايات المتحدة، لذلك نحن نتفهم معنى أن تكون في بلدِ غير بلدك، ومعنى أن تتحدث لغة مختلفة".
وأضافت ناتاشا باريتو، أنه على الرغم من الظرف السياسي الحالي فمن الصعب جداً أن تجد توتراً بين الطلاب. في الواقع ترى ناتاشا أن الطلاب في غاليندو يبحثون عما هو مشترك بينهم لا العكس.
فضول الطلاب وتقبُّل الآخر
تقول باريتو: "أعتقد أن الطلاب فضوليون بشكل عام؛ لذا فهم يسألون مثلاً لماذا ترتدي بعض الفتيات الحجاب. عندها يتوجب علينا أن نخوض هذا الحديث معهم… الأمر كله متعلق بالفضول، والطلاب مهتمون بالتعرف على الثقافات المختلفة".
من جانبها أضافت ميشيل براوننج، مديرة العمليات بالمنظمة: "بمجرد أن تفهم كيف يجب أن تجري الأمور، يمكن قبولك. وهكذا تنشأ وأنت تحمل فكرة تقبُّل الآخر. عليك أن تحمل هذه الرسالة للمجتمع. وهذا ما نحتاج إليه بشدة".
يسهم طلاب جامعة تكساس بمدينة أوستن بالتدريس ضمن نشاط الأكاديمية؛ إذ يقضون وقتهم بين الفصول المختلفة، ويقدمون المساعدة بشكل فردي لكل طالب على حدة، ويعاونون الطلاب لاستكمال دروسهم والوصول لمستوى مماثل لمستوى أقرانهم.
مناهج بالعربية!
تقول إيمان أبو عيسى، إحدى مدرسات أوستن، التي تعمل على مساعدة التلاميذ العرب بالأكاديمية: "أغلبهم لا يعرف الحروف الأبجدية، لذا يجب أن أساعدهم على الحديث والقراءة، لأنهم يحتاجون لذلك، ليس فقط في المدرسة، بل في الخارج أيضاً".
جدير بالذكر أن إيمان تأمل أن يكون هناك المزيد من مناهج التدريس بالعربية، كما أضافت: "نأمل أن نتمكن في العام القادم من الحفاظ على لغتهم الأم. فمما لا شك فيه أن الأفضل هو أن تتحدث لغتين".
وبالنسبة للأكاديمية، فإن السيد قاهر والسيدة براوننج يتوقعان نمواً كبيراً في المستقبل. ويأمل كل منهما توسيع برامج ما بعد الدراسة، في حين يتم تدشين مقرات أخرى في تكساس، وذلك رغم أنهم يتوقعون زيادة في تدفق اللاجئين مع بقاء الدعم الفيدرالي على ما هو عليه.
يقول السيد قاهر إنه من المتوقع أن تستقبل المنظمة عام 2017 أعداداً أكبر من اللاجئين بنسبة 50%، مقارنة بعام 2015. لكنه يظن أن هذه الزيادة تمثل فرصة "لتحسين فاعلية المنظمة" و"دفع المواطنين العاديين للمشاركة في فعل شيء ما".
الأطفال يستحقون الأفضل
وتعليقاً على المساعدات الفيدرالية تقول براوننج: "نحن منظمة تهتم بمرحلة ما بعد إعادة التوطين، لذا فنحن لا نعتمد على القرارات الفيدرالية، نحن محظوظون بمجموعة رائعة من الداعمين الذين يساندون المنظمة، ويموِّلون برامجنا، مما يسمح لنا بالتقدم وفق ما يتطلبه الأمر".
في الوقت الراهن تُبقي المنظمة تركيزها على الأكاديمية، ما يُهم في الوقت الحالي هو الأطفال. فعلى حد قول السيد قاهر "الكثير من الأطفال يأتون إلى هنا، والسبب وراء رغبتنا في فعل ذلك هو أننا نرى فيهم قيمة كبيرة. أرى أفراداً رائعين بإمكانات هائلة، وما نريد فعله هو أن نساعدهم للمضي قُدماً في طريقهم. في نهاية المطاف فإن هدفنا في منظمة "أمانة" هو أن يكون لدينا نظام يدعم الطلاب في المدارس على طول الطريق، حتى يصلوا للجامعة.. وذلك لنمنحهم فرصة للوصول بحياتهم إلى مستويات أفضل".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Independent البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.