“دبلوماسية الواتساب”.. برنامج المحادثة الشهير يقتحم اجتماعات المسؤولين حول العالم ومليار شخص يستخدمونه

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/05 الساعة 11:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/05 الساعة 11:12 بتوقيت غرينتش

عندما تجلس الدول على طاولة الاجتماعات للنقاش في العصر الحديث، ستجد فرقاً واضحاً في الطريقة الدبلوماسية لكل منها. فالتأثير لم يعد محكوماً بالعلاقات الشخصية والتحالفات القديمة وحسب، بل أصبح معتمداً أيضاً على مجموعة الواتساب التي تم دعوتك إليها.

ساعد ظهور دبلوماسية الواتساب في تغيير الشكل التقليدي لغرفة المفاوضات، حيث ستجد مجموعاتٍ لا حصر لها مخصصة للتحالفات والمراسلات الافتراضية وتبادل الآراء بشأن التصريحات السياسية؛ ناهيك عن المزاح والرموز التعبيرية (فمثلاً يتم الإشارة إلى فلاديمير بوتين بصورة مخلوق فضائي رمادي اللون).

وصرح دبلوماسي غربي رفيع المستوى قائلاً: "يمكنك تكوين مجموعة صغيرة من الحلفاء ذوي الأفكار المماثلة، والتقاط صور للوثائق التوضيحية، أو سؤال الناس عما يفكرون فيه دون الحاجة لمشاركة المعلومات مع جميع من بالغرفة"، بحسب ما ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية.

ويقول الدبلوماسيون إن هذه الأداة مفيدة للتواصل مع الحلفاء الذين قد لا تكون قريباً منهم، فضلاً عن الاتفاق على تكتيكات التفاوض خلال الجلسات الصعبة وتنظيم المراسلات السريعة بطريقة لا تُسيء لأولئك الذين لم تتم دعوتهم.

ومن الأمثلة البارزة مؤخراً لمؤتمرات القمة التي يتم عقدها على واتساب، محادثات الشهر الماضي عن حظر مركبات الكربون في كيغالي برواندا. وصرحت المستشارة التي كانت حاضرةً في هذه المحادثات بأنه تم استخدام أداة الرسائل الفورية (المملوكة لفيسبوك) على نطاق واسع لتنسيق الاجتماعات ومناقشة الاستراتيجيات خلال المحادثات وحشد التأييد لمختلف المواقف السياسية.

وأوضحت المستشارة أنواع المراسلات قائلة: "دعونا نجتمع في الخارج لإجراء محادثات حول (س)، أو تأكد من مقاطعة هذا الكلام الآن، أو تحدث في الجلسة العامة لدعم (س)".

وأضافت: "قد يكون لديك دولة قدمت اقتراحاً ومن ثم تم تقديم اقتراحٍ مُعارضٍ آخر، لذلك ستقوم بجمع حلفائك على واتساب، وتقول: "تأكدوا من التعبير عن وجهة نظركم، من أجل الحصول على الكثير من الدعم. وإذا كان هناك الكثير من الأصوات الداعمة لاقتراحٍ معين، فسيتم تنفيذه".

البداية منذ عامين

وقد لاحظت المستشارة بداية استخدام الواتساب لأول مرة في المناسبات الدبلوماسية رفيعة المستوى منذ عامين، لكنها أضافت أنها شهدت في الآونة الأخيرة تزايد استخدامه من قبل الدبلوماسيين وجماعات الضغط، بسبب توافر خدمات الإنترنت اللاسلكي وسهولة استخدام التطبيق.

وأضافت المستشارة: "لست بحاجة لمغادرة الغرفة للتحدث في الخارج، كما تضفي هذه الطريقة نوعاً من الخصوصية إذا كنت لا ترغب في أن تتم مشاهدتك في اجتماع جانبي مع أحد".

"واتساب" الذي يستخدمه مليار شخص في جميع أنحاء العالم تطبيق مناسب تماماً للدبلوماسية الحديثة. فهو سهل وسريع مثل الرسائل النصية؛ وكذلك فإن ميزة تشكيل المجموعات تُمكّن العديد من المستخدمين من تبادل الرسائل، وتسمح بتشكيل تحالفات غير رسمية. بالإضافة لخاصية التشفير التي جعلت المحادثات أكثر أماناً منذ أبريل/نيسان الماضي.

وقال جون ألترمان، مسؤول تخطيط السياسات السابق بوزارة الخارجية الأميركية نائب الرئيس الحالي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "يمكنك الآن إرسال رسائل أكثر أماناً من معظم نظم المعلومات الحكومية باستخدام واتساب".

الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي

وقد زاد استخدام واتساب مؤخراً خاصةً في المؤسسات المتعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة وداخل مقر الاتحاد الأوروبي، حيث توجد أعداد كبيرة من الدبلوماسيين الذين يحتاجون إلى التواصل السريع والسري. وعلاوة على ذلك فإن الكثير من الأعمال على هذا المستوى الدولي يتم تنفيذها داخل مبانٍ ضخمة ذات أقبية عميقة لا يوجد بها إرسال للهواتف المحمولة، لكنها تمتلك إرسال إنترنتٍ لاسلكي قوياً، وهو ما يمنح واتساب أفضليةً على الرسائل النصية.

ووجد تقرير داخلي في وزارة الخارجية بالمملكة المتحدة هذا العام، أن العديد من الدبلوماسيين البريطانيين يستخدمون واتساب لمناقشة القضايا الحساسة بدلاً من الاستفادة من التطبيقات الحكومية المصممة خصيصاً للتشفير، فهناك مثلاً مجموعة واتساب للدبلوماسيين البريطانيين الذين يعملون في جميع أنحاء العالم لمناقشة القضية السورية.

وقال كاتب التقرير، توم فليتشر، السفير البريطاني السابق في لبنان: "قبل 10 أعوام، كان النموذج الأمثل للضغط الدبلوماسي هو مذكرة شفوية يتم صياغتها كرسالة دبلوماسية بشكلٍ دقيق وإرسالها من السفارة إلى وزارة الخارجية. وبعدها ينتظر السفير وصول الرد، ويقوم بمتابعة الأمر من خلال اجتماع أو في بعض الأحيان مكالمة هاتفية. الآن، كل ذلك يمكن اختصاره عبر رسائل نصية قصيرة؛ أو باستخدام واتساب الذي يفضله الدبلوماسيون الآن نظراً لكونه أكثر أماناً.

وأضاف: "لقد أجريت معظم محادثاتي مع القادة اللبنانيين بهذه الطريقة. بالطبع ليس هناك بديل للعلاقة والثقة التي تمنحها المقابلات وجهاً لوجه. لكن كمية كبيرة من الدبلوماسية تجري الآن بهذه الطريقة. وأي سفير ليس لديه القدرة على استخدام واتساب لمراسلة الوزراء الرئيسيين، سيعتبر متخلفاً عن الركب الدبلوماسي".

وقال فليتشر، مؤلف كتاب "الدبلوماسية عارية"، الذي يدعو إلى جيلٍ جديد من "التداخلات الرقمية" مع الخارج: "الهاتف الذكي هو الآن جزء ضروري من ترسانة الدبلوماسي الحديث، مثله مثل الشجاعة والصبر والشبع. لكنه أيضاً يمثل تهديداً للدبلوماسيين في حال قرر القادة -لا سمح الله- استخدام واتساب فيما بينهم، دون الحاجة للجوء إلى المبعوثين الدبلوماسيين".

وأكد دبلوماسي كبير: "عندما تكون جالساً على طاولة المفاوضات لمناقشة وثيقةٍ ما، لن تكون جالساً بالضرورة على مقربةٍ من البلدان المماثلة لك في وجهات النظر. وواتساب هو وسيلة التواصل المُثلى في وقت إجراء المفاوضات. كما يمكن استخدامه في النواحي التنظيمية العملية لطلب اجتماعٍ سريع خارج الغرفة، أو التنفيس عن غضبك وتوبيخ زميلك، أو تبادل صور لشخصٍ غلبه النعاس".

وتتخلل محادثات واتساب مؤخراً العديد من الرموز التعبيرية، التي تزايد استخدام الكثير منها كاختصاراتٍ دبلوماسية. وتعتبر المجموعة الكاملة لأعلام البلدان مثاليةً لهذا الغرض، بالإضافة إلى الحمامة، وبطبيعة الحال فإن المصافحة ترمز لحسم صفقةٍ ما. وكثيراً ما يتم الإشارة إلى فلاديمير بوتين بصورة مخلوقٍ فضائي رمادي اللون.

في بروكسل يُستخدم واتساب لتنظيم الاجتماعات العديدة للاتحاد الأوروبي، حيث تم استخدام التطبيق من قبل المسؤولين عن التخطيط لعقد اجتماع خارج المدينة لـ28 سفيراً وطنياً أو طلب قدوم رئيس الاتحاد الأوروبي من طاولة القمة إلى منصة الصحافة دون أية معوقات. وقامت إحدى السفارات باستخدام واتساب بعد هجمات بروكسل باعتباره وسيلةً لتبادل المعلومات بسرعة.

ويدعي ألترمان أنه لا يوجد نظام رسائل يمكنه أن يكون بديلاً عن الدبلوماسية المباشرة. رغم مرونة واتساب وعدم رسميته وسريته.

ويوضح: "وجودك في نفس الغرفة مع الشخص الذي تحادثه أمر فارق. فمن الصعب قراءة لغة الجسد من رسالةٍ نصية. فالكلام المكتوب لا تصل من خلاله النبرة على الإطلاق. والتحدي في التواصل النصي هو أن الناس يقرأون ما بين السطور، وتغيب عنهم الفكرة الرئيسية".

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.

علامات:
تحميل المزيد