بداية الحكاية

تذكرني حفاوته بتلك الحفاوة التي كنت أستقبل أبي بها عند عودته من العمل. ذاكرتي تنتعش من جديد، بعدما كانت روحي تتسرب رويدا رويدا بين أنفاسي، عدت طفلة بضفيرتين تضحك وتمرح وتستقبل سعادتها بعيني أب حان رؤوم.

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/05 الساعة 07:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/05 الساعة 07:02 بتوقيت غرينتش

هل كان الله رحيما بي حتي جمعني بإخوة وأب وصحبة تخرجني من زمن الخوف، دون أن أدري ولا أحتسب.

تمر الأيام حاسرة معها الكثير من الرفق والاحتواء والدفء، يفقد الإنسان الكثير من قدرته على المواصلة إذا أصر على أن يحتفظ بإنسانيتة. هزات عنيفة ضربت قدرتي على التحمل، حتى راسلت أستاذ أسعد طه أسأله كيف يحكي الحكاية في تركيا، تواصل معي برفق، أرسل الطلب بالبريد الإلكتروني، فيتواصل معي طيب القلب أستاذ معاوية.

أسير بين فروقات الزمن أضع قدماً وتتبعها الأخرى مطمئنة، أسأل نفسي مرارا عن تبعات القرار وأربت على كتفي أن استمري، يلومني الزمان والمكان دوماً على الطيبة، لِمَ هذه السذاجة؟ كم عمرك لتظلي محتفظة بالبراءة الأولى لفتاة لم تمر عليها السنون. في المخيم وجدت من يحتفي بها، توقف اللوم أخيرا، في البداية لم أفهم أهو تقدير أم سخرية مبطنة، هل حقا يقدرون ذلك؟

من دول مختلفة ما يزاولون يرحبون بالبساطة، يقدرون الصراحة الملفوفة بالخجل، أرى في مهند ومريم صفاء يشفي قلبي ويروح عن فؤادي، أين أنا؟ في دوزجة حيث مخيم طاهورة وعلى ضفاف نهر ملين، كانت البداية.

في السفر تكتشف ذاتك وتختبر قدراتك، تقف وجها لوجه أمام مبادئك وقناعاتك، تسقط القشرة التي تختفي خلفها مع زميل غرفتك. تتنازل عن عادات وتكتسب أخرى، ترى الطبيعة وتترك نفسك لفرشاتها. تتلون بشرتك بشمسها المشمسة وتلطف بشرتك قطرات المطر التي تتلوها مباشرة حيث الطبيعة هناك تمارس حريتها في رسم مكنوناتك من جديد، هناك التقينا من بلاد عربية مختلفة الألم جئنا، نئن خلف الضحكات، كل منا له حكايته التي لم تكتمل وجاء للحكيم ليساعده على حيكها، يستقبلنا بابتسامته الحانية وبسمته التي لا تفارقه، يضمنا في جو أسري مع قرتي عينيه مريم ومهند، يطمئن على يومنا ويساعدنا على أولى حركاتنا كما يفعل الأب مع خطوات المشي الأولى لابنه.

تذكرني حفاوته بتلك الحفاوة التي كنت أستقبل أبي بها عند عودته من العمل. ذاكرتي تنتعش من جديد، بعدما كانت روحي تتسرب رويدا رويدا بين أنفاسي، عدت طفلة بضفيرتين تضحك وتمرح وتستقبل سعادتها بعيني أب حان رؤوم. وزعنا في الغرف الخشبية التي تشبه عشة العصفور صغيرة لتتلاحم قصص اليوم الطويل على الأسرة وتتلاشى وحشة المدنية، كل ذلك كان مدبرا فقد أخبرنا الطيب أستاذ معاوية أن تقسيم الغرف كان لنسيج خاص بين ساكنيها، وكان علينا أن نضع أمتعتنا استعداداً ليوم جديد، نتعلم فيه كيف نحكي الحكاية.

يتبع

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد