يسعد الأطفال عندما يخرج المهرج أو لاعب الخفة أرنباً أو حمامةً من قبعته، فترتسم الضحكات على ثغورهم. ولأنني امتهنت الجنون والشعر، قررت أن أكون مهرجكم الضاحك ذا الوجه الملون والأنف الأحمر، أو لاعب خفة لهذه الليلة أو لربما لكل ليلة. ولا أدري كم ستضحكون؛ إذ تضحكون؟
ها أنا ذا لاعب الخفة، ببدلتي السوداء الغريبة، وابتساماتي الخادعة. وها هي تلك قبعتي السوداء على منضدة حمراء. والأهم من كل هذا، هذه هي عصاي السحرية.
– أيها السيد..
– نعم..
– أنت في الصف الأول.. لو سمحت تفقد القبعة، فهي خاوية تماماً. أيها السادة والسيدات، إليكم أول خدعي لهذه الليلة.. سأضع شماغاً أحمر.
كلكم تعرفونه، أليس كذلك؟ وهذا بُرنس أسود لكاهن. كلكم تعرفونه أيضاً؟ وسأضرب على القبعة ثلاث مرات. ولكن، قولوا معي على التوالي الكلمات والتمائم التالية: جهل.. تخلف.. إرث.
الآن سنفعل هذا معاً. الجميع لو سمحتم؛ لأننا كلنا مشتركون في هذا..
وهذا أنا أضرب بعصاي السحرية.. والجمهور يردد: جهل..تخلف.. إرث.
– أيها السادة، انتظروا لحظة أو عمراً إن شئتم.
وإذا براهب يلبس شماعاً أحمر يخرج من قبعتي.
– نعم، خدَعي اليوم بلا مِلح أو حتى بهارات. فلا حمام يطير ولا أرنب يقفز.
إني لا أسمع صوت ضحكاتكم ولا أرى حتى ابتسامتكم. إنما هو وجوم بعضكم أو تمتمة، ولربما استياء بعضكم، ولربما غضب آخرين. ألم تعجبكم أول خدعي؟! ولربما الأخيرة؟
لا تعجبوا! فهذا الكائن -أيها السادة- يقطن بيننا. يقطن في بلاد فلسفة الموز، حيث كل شيء ينزلق إلى الوراء! يا أهل بلاد فلسفة الموز، لماذا لا تضحكون؟
نعم، إنها البلاد التي لا وجود لها على خريطة الإنسان المعاصر. فلا هي اعترفت بحق وجودها ولا هي اعترفت بحق وجود الغير. فظلت سراباً يحيطه تراب أحياناً أو بحر أحياناً أو جبل أحياناً بلا فائدة.
بلاد يسأل الناس فيها عن بركات قساوسة الأشمغة الحمراء كلما رفعوا ساقاً عن ساق؟
أي شيء هذا الذي يعتقدون أو يقلدون؟ وأي غربة سخيفة يعيشون أو يحلمون؟ وعن أي رأي يصدرون ويصادرون؟
فعقيدتهم أن صاحب القداسة الأكبر معصوم من الخطأ والخطيئة. ونعم، هم في جهلهم غريبون. وللإرث القديم مقدِّسون كأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وكأنهم يمنحون قطع الجنة لمن يريدون ويُدخلون جهنم من يخالفهم رأي معلمهم الأكبر. يحميهم سوط الدوق ويجبر كلمتهم ذهب الكونت. فلا دوق يخلف أباه على ظلم العباد ونهب قوت الشعب إلا ببركات الأشمغة الحمراء.
فالكفر بهم كرم البخيل، وجحد ما هم فيه أضعف من أضعف الإيمان، إن كان للإيمان الحقيقي وجود في بلاد فلسفة الموز.
لا تخافوا دعاواهم، فهي وإن عظمت لن تكون أكثر من لعنات سحرة، وكذبَ السحرة وإن صدقوا. وليحرقوا كلماتي أو قبعتي السوداء، ويغتالوا كل عاقل أو لاعب خفة؛ لأن الأرض عندهم ليست كروية؛ بل هي حسب هواهم تتشكل كيفما يكون، فهم أصحاب الأشمغة الحمراء في بلاد فلسفة الموز حيث المنطق مباح الدم والمال.
أظن أن هذه أول وآخر خدعي لهذه الليلة. ولكن.. أنا أنا وإن.. ولو.. وكيفما؟ فأنا أنا.. باقٍ وأنت أنت فانٍ؟ وإن وصلت إلى كل شيء.. لا الحجم لك وإن كنت في دهر أسود.. لا الزمان لك وإن كنت في هنا الذليلة.. لا المكان لك، فاليوم لك والغد لك ولربما كل السنة لك، والعمر الباقي كله لي أنا.
إلى أن ألقاكم في خدعة جديدة ببلاد لا يوجد فيها موز.
لاعب الخفة
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.