حلم الدولة المدنية العراقية انتهى بالتصويت على قانون الحشد الشعبي

تمرير قانون الحشد بمثابة إنهاء لحلم الدولة المدنية وتكرار للتجربة الإيرانية بتشكيل الحرس الثوري الذي تصنفه بعض الدول منظمةً إرهابية، والذي تم تشكيله من قِبل قائد الثورة الإسلامية "آية الله الخميني"، في حين أن عدالة الدولة المدنية مرهونة بالقدرة على بناء نظام عراقي محايد تجاه عقائد كل المواطنين

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/16 الساعة 02:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/16 الساعة 02:21 بتوقيت غرينتش

رغم إجماع المتابعين على أن مقاتلي الحشد الشعبي في العراق بحاجة إلى حقوق تكفل تضحياتهم، فإن تشريع قانون الحشد في البرلمان العراقي أنهى حلم إقامة الدولة المدنية وأضعف وسيضعف أداء الجيش والتشكيلات العسكرية الأخرى، وسيفتح بوابة جديدة للإصرار على المطالبة بإنشاء أقاليم جغرافية حسب الطوائف.

حرس ثوري عراقي وانقسام سياسي

بوجود الكثير من الفقرات المفخخة والمبهمة صوَّت البرلمان العراقي على قانون سمَّاه (الحماية القانونية للحشد الشعبي) رغم الخلاف والجدال المستمر عليه من قِبل الكتل السياسية والشارع العراقي، ولتوفير الغطاء القانوني وحفظ مستحقات الحشد الشعبي ولضمان عدم ظهور جماعات مسلحة ربما كان من الأفضل دمجهم وإذابتهم في المؤسسات العسكرية العراقية بعد توفير دورات تأهيلية خاصة لمقاتليهم.

يبدو أن المرحلة المقبلة تنذر بظهور قوة عسكرية شبيهة بالحرس الثوري الإيراني رغم أن القانون صوّت شكلاً على أن تخضع هذه القوات لأوامر القائد العام للقوات المسلحة العراقية؛ حيث نصت المادة الثالثة من القانون المشرع: على أن تمارس فصائل وتشكيلات الحشد الشعبي مهامها وأنشطتها العسكرية والأمنية بطلب وإيعاز من القائد العام للقوات المسلحة، وبالتنسيق معه عند وجود تهديدات أمنية تستدعي تدخلها الميداني لردع تلك التهديدات واجتثاثها، إلا أنها على ما يبدو ستخضع له شكلاً وعملياً لقادة الفصائل أنفسهم.

قبل وبعد التصويت على القانون ظهر الانقسام وتراشق التصريحات الإعلامية بين الأحزاب السياسية ما بين مؤيد ورافض للقانون باعتباره ضامناً لحقوق مقاتليه ومنظماً لعملهم من جهة، وباعتباره إجهاضاً لمشروع الدولة المدنية وبداية لعسكرة المجتمع من جهة أخرى، حيث عد تحالف القوى العراقية النيابي تشريع القانون "طعنة لمبدأ الشراكة وتجسيداً لديكتاتورية الأغلبية ونسفاً للعملية السياسية"، في حين عد ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي إقرار القانون "ضماناً لحقوق من لبَّى الدفاع عن العراق"، أما رئيس ائتلاف متحدون أسامة النجيفي فرفض تسلم مسودة "التسوية السياسية" من ممثل الأمم المتحدة في العراق وعد القانون "علامة بارزة في عدم إشراك المكون السني برسم سياسة البلد".

الحشد في أرقام موازنة البلد

يبلغ عدد مقاتلي الحشد الشعبي نحو 80 ألف عنصر ينتمون إلى أكثر من 20 فصيلاً مسلحاً، وقد خصصت الحكومة لهم مبلغاً نحو 60 مليون دولار في موازنة العام الماضي؛ حيث يلزم القانون المشرع الحكومة العراقية بضمان حقوق المقاتلين مادياً وتهيئة مستلزماتهم العسكرية مما سيضيف ثقلاً مادياً جديداً على كاهل موازنة البلاد؛ حيث نصت المادة الخامسة والسادسة من القانون المشرع على إلزام حكومة ومجلس نواب العراق "بتهيئة مستلزمات واحتياجات فصائل وتشكيلات الحشد الشعبي ومنح أفراد وشهداء وجرحى الحشد ذات الراتب والحقوق التقاعدية والامتيازات التي يتمتع بها منتسبو وزارتي الدفاع والداخلية".

رسائل اطمئنان.. تغطية المشكلات بدل حلها

رغم رسائل الاطمئنان التي أطلقها رئيس الحكومة قائد القوات المسلحة حيدر العبادي بتأكيده أن فصائل الحشد أصبحت على ضوء القانون وتحت قيادته المباشرة، وإعلان رئيس البرلمان سليم الجبوري أن القانون لا يعفي من ارتكب خطأً من المساءلة القانونية، وأن تركيبة الحشد الاجتماعية تشمل كافة مكونات الشعب العراقي، فإن القانون لم يقدم حلاً للمشكلة، بل يمثل تغطية لمشكلة ستنفجر قريباً، فالدولة العراقية أضعف من فرض الحلول، حيث سيطبق أجزاء من القانون في الفترة الحالية كل حسب ما يحلو له، وكلما كانت قوتك العسكرية ونفوذك أكبر كان الجزء الذي يطبق يتماشى مع مصلحتك أكثر، فبالتأكيد قادة هذه الفصائل المسلحة أو "الميليشيات" كما يحلو للبعض أن يطلق عليها سيستمرون بإدارة الكفة وفق الأجندة الخاصة بهم وكل حسب تبعيته!

وربما إقرار قانون الحشد دون وجود تحالف القوى وممثلي العرب السنة في البرلمان سيكون ذريعة لسنة العراق بتشكيل حرس الأقاليم كقوة موازية لقوة الحشد الشعبي، وذريعة أخرى للإصرار على تقسيم العراق، لشعور السنة بأنهم أصبحوا كياناً ضعيفاً، كما أعرب عن ذلك عدد من قادة الأحزاب السنية في أكثر من مناسبة، الذين نجحوا بالمتاجرة بدماء أبناء مناطقهم، وبأموال النازحين منهم، في حين اعترضوا فقط ولم يقدموا أي حلول.

انتهى حلم الدولة المدنية فطوبى لنا!

عدَّ بعض المتابعين للشأن العراقي تمرير قانون الحشد بمثابة إنهاء لحلم الدولة المدنية وتكرار للتجربة الإيرانية بتشكيل الحرس الثوري الذي تصنفه بعض الدول منظمةً إرهابية، والذي تم تشكيله من قِبل قائد الثورة الإسلامية "آية الله الخميني"، في حين أن عدالة الدولة المدنية مرهونة بالقدرة على بناء نظام عراقي محايد تجاه عقائد كل المواطنين، ومعبرة عن احترام لعقائد الجميع أيضاً، وفصل الدين عن السياسة، وعدم الاعتراف بالدين والعشائر ورجال الدين، والمساواة بين الجميع بغض النظر عن لونه وعرقه وميوله، وهذا ما فشل العراقيون في تحقيقه.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد