يثير إعجابي وبشدة اقتباس الرجال بعض الآيات من القرآن لتوضيح موقفهم أمام المرأة، والأكثر إعجاباً أن هناك مَن لا يدرك المعنى الصحيح لها.
فيستوقفني قول الرجل للمرأة: "نحن نملك القوامة" بكل فخر واعتزاز، وكأنه يقول لها: "إنك جارية عندي وأنا سيدك"، والمثير للشفقة أن الرجل نفسه يجهل ماذا تعني القوامة؟
لغوياً: من قام على الشيء يقوم قياماً، أي: حافظ عليه وراعى مصالحه.
اصطلاحاً: (فيما يخص موضعنا) وهو تدبير شؤون المرأة والقيام بما يصلحها.
وهنا يتبين أن القوامة لا تعني البطش والقهر والذل، كما يعتقد الرجال، ويمارسونه على المرأة الكائن الضعيف الذي لا حول له ولا قوة.
فالرجل مكلف برعاية المرأة وتدبير أمورها وإصلاح شؤونها، وهذا فيه تشريف وتجليل للمرأة، ليس كما يعتقد البعض أو ما يعتقده الغرب، ونستمد منه أفكاره المسمومة التي تسمم عقول الإناث وتدفع بهم إلى الهلاك.
فيأخذنا صاحبنا هذا إلى موضع آخر، ويتساءل: لماذا حق الرجل بالقوامة؟
وكان هذا الحق لسببين؛ أولهما: وهبي، فقد وهب الله للرجل الحكمة والعقل والقوة وغيرها من السمات التي أعطاها الله لجنس الذكور، وهذا فيه إشارة إلى قوله تعالى: "بما فضل الله بعضهم على بعض"، وهذا التفضيل ليس فيه إهانة للمرأة أو التقليل من شأنها، فتلك هي سنه الحياة، فكل إنسان وهبه الله من السمات التي تفضله عن الآخر، وهذا التفضيل ميزه لكي تستمر الحياة وتتعاون البشرية ويكمل بعضها بعضاً.
وهكذا في ما يتعلق بموضوعنا (تلك السمات التي يختص بها الرجال فهي تكمل المرأة، وهكذا المرأة بما تحتويه من عاطفة يحتاج إليها الرجل لتكمله)، فنحن هنا ليس في ساحة حرب ننتظر الفائز، وعلى الرجل والمرأة أن يدركا هذا.
وثانيهما: بما أنفقه عليها وبما دفعه إليها من مهر وما يتكلفه من نفقه في الجهاد وما يتكلفه من نفقه في رعايتها وغيرها من المستلزمات التي تقع على عاتق الرجال، ولم تكن المرأة ملزمة بها، وهذا فيه إشارة إلى قوله تعالى: "وبما أنفقوا من أموالهم"، فالرجل ملزم بأن ينفق على المرأة، وأن يرعى مصالحها، وأن يدبر أمورها.
فالقوامة ليست استعباداً وبطشاً وقهراً وذلاً للمرأة، ومن يفعل ذلك فقد نال تهديده من الله عز وجل في قوله تعالى: "فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً".
فإذا بغى الرجل على المرأة دون وجه حق، فإن الله هو العلي الكبير وليُّهن وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن.
ومن ثم يتساءل صاحبنا هذا: ما رأيك في قضية ضرب الزوج لزوجته؟!
تخيل معس وأنت تقف على حافة جبل لتحتمس به، ومن ثم تأتي لك عاصفة قوية فتسقط، هكذا ضرب الزوج لزوجته، فهي لم تتوقع منك هذا، كما أنت لم تتوقع قدوم هذه العاصفة، فهي كانت تؤمن بك وبحبك كما أنت آمنت أن الجبل سوف يحميك، ولكن أنت خنت إيمانها، كما فعل معك الجبل وخان ثقتك، وفى الحالتين كان المصير هو الموت.
هكذا الضرب، فإنه يترك في النفس شيئاً، ويكسرها فيولد الموت والجفاء، وتصبح الحياة مستحيلة حتى إذا استمرت فهي كسائر الحيوات التي يعشها الناس بلا معنى، بلا روح، بلا مشاعر ،كموظف في جهة حكومية جالس على المكتب يقم بعمل روتيني، فهكذا ستصبح الحياة الزوجية.
وما رأي القرآن الكريم في هذه القضية؟
يتيح القرآن الكريم ضرب الزوج لزوجته في حالات خاصة، وهنا يجب الإشارة إلى قوله تعالى:
"واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن"، فالمرأة التي تأبى أن توفي حقوق زوجها يتيح للرجل أن يضربها، ولكنه ضرب غير مبرح حتى لا يترك في نفسها شيئاً منه، ولكن قبل الضرب هناك الموعظة الحسنه، وهناك وسيلة أخرى وهي "أن يهجرها زوجها"، وليست الهجرة هنا بمعنى ترك البيت والفرار من تحمل المسؤولية، وإنما الهجرة هنا تخص المضجع، ثم يأتي الضرب في النهاية عندما تفشل تلك الوسائل في إصلاحها.
حيث أتى في صحيح مسلم، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال في حجة الوداع: (واتقوا الله في النساء، فإنهن عندكم عوان، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف).
وقال الحسن البصرى: يعني غير مؤثر، وقال الفقهاء: هو ألا يكسر فيها عضواً، ولا يؤثر فيها شيئاً.
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تضربوا إماء الله).
ولكن.. الواقع مفزع وبعيد عن كلام الله عز وجل، تجد الزوج يضرب زوجته ضرباً مبرحاً من " كسر وعلامات في الجسد وإهانة وسب وغيرها من الإسفاف"، ولا نستطيع أن نتغافل عن الطرد والهجران الكامل، والأعجب من ذلك عندما تعلم أن الأمر لا يحتاج إلى ذلك، فالرجل اعتاد على إهانة المرأة والبطش بها وإذلالها عندما تعصي له أمراً من الممكن أن يكون أمراً في غاية التفاهة، ولكن كيف تعصي، فأنا الرجل.
فالرجل ليس عضلات، وإنما الرجل عقل وحكمه، فهذا الذي أفاضه الله عليكم وجعلكم قوامين به على النساء، ولكن عندما تتخلى أنت عن هذه الإفاضة وتستخدم عضلاتك حينها سيسلب منك حق القوامة، ونقوم بحذفك من جنس الرجال.
والجدير بالذكر (عندما يتخلى الزوج عن مستلزماته من الإنفاق على أهل بيته يسلب منه حق القوامة، وللزوجة حق في فسخ عقد النكاح).
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.