“وادي الذئاب”.. حين أضفى إرادة المواجهة على الرأي العام التركي

ويؤكد المسلسل أن زعماء العصابات والمرتبطين بالخارج يتوارثون الأعمال العدائية للدولة، فكلما تم التخلص من أحدهم يأتي من يرث دوره في عمله العدائي للدولة، وتمكن المسلسل ببث رسالة أخرى تشير إلى استمرارية الخطر، ما يسهل على الحكومة حشد الرأي العام تجاهها وتأييدها في الفترات اللاحقة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/03 الساعة 07:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/03 الساعة 07:14 بتوقيت غرينتش

ما إن خاطب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شعبه بضرورة الخروج إلى الميادين لحماية الديمقراطية، حتى استجابت له الجماهير التركية من إسطنبول إلى أنقرة، ومن غازي عنتاب إلى بورصا وقونيا وكل المحافظات؛ للحفاظ على ديمقراطيتهم وحماية أصواتهم الانتخابية التي عمل الانقلابيون على تصفيتها لما حاولوا اغتيال رئيسهم واستهداف برلمانهم ومراكز حكومتهم الشرعية، في هذه اللحظة التاريخية من ليلة 15 يوليو/تموز الفائت، دخلت تركيا ومنطقة الشرق الأوسط مرحلة سياسية جديدة في توجهات المنطقة الاستراتيجية، فخلطت الأوراق من جديد، والسؤال هنا: ما الذي امتلكه الشعب التركي من معرفة مكنته من اكتساب إرادة المواجهة والثوران على الانقلابيين مبكراً؟

فنون السياسة وإيصال الرسائل إلى الجماهير وتوجيهها تحتاج إلى أدوات غير تقليدية، فالتصريحات والبيانات غير قادرة لوحدها على تحريك الرأي العام لما تريده القيادة السياسية، حتى المهرجانات الضخمة والكلمات النارية لا تكتسب نفس الصفة في توجيه الرأي العام كما الصفة التي تكتسبها الدراما التلفزيونية، فمسلسل "وادي الذئاب" التركي الذي انطلق منذ أكثر من 10 سنوات لم تكن أفكاره مجردة عن الواقع.

حيث لعب المسلسل دوراً كبيراً في تعريف الرأي العام التركي بما يجري من أحداث في منطقة الشرق الأوسط، وتتماشى أفكاره مع ما ينتجه الواقع من أحداث، فقد أدخل على سجلاته قضايا النفط والغاز والحرب على الإرهاب ومواجهة العابثين بالأمن الاجتماعي، وأثار المسلسل أزمة النظام السياسي المعمول به حالياً في تركيا، داعياً إلى تغييره والتحول إلى نظام رئاسي حتى يتفاعل الطموح التركي مع الفرائض الضرورية لنهضة أي دولة، والجانب الأكثر جرأة فيه الذي لعب دوراً هاماً في تهيئة الرأي العام التركي لإرادة المواجهة وتقبله بحتمية تصفية أجهزة الحكومة ممن تمكن من اختراق الدولة، بعد تقريب معنى الكيان الموازي إلى المواطن التركي عبر المشاهد الدرامية الأكثر وضوحاً.

فقد استعرض المسلسل كيف واجهت مجموعة مراد علم دار التي تمثل الدولة التركية في ملاحقة أعدائها، وأن في الأجهزة الحكومية قيادات كبيرة تقود عصابات تنفذ أجندات خارجية تعمل على تدمير البلاد، فتقوم مجموعة علم دار بتصفية هذا الاختراق، وأن هؤلاء يمثلون الدولة العميقة والموازية للدولة الشرعية، ويعملون لصالح الخارج، فمن خلال هذه المقاربة التلفزيونية بثت للمشاهد رسالتين هما: أن في أجهزة الدولة أعداء لا بد من التخلص منهم، والرسالة الثانية اقتناع الرأي العام التركي بأن الكيان الموازي يعاند الدولة الشرعية ومرتبط بالخارج.

ويؤكد المسلسل أن زعماء العصابات والمرتبطين بالخارج يتوارثون الأعمال العدائية للدولة، فكلما تم التخلص من أحدهم يأتي من يرث دوره في عمله العدائي للدولة، وتمكن المسلسل ببث رسالة أخرى تشير إلى استمرارية الخطر، ما يسهل على الحكومة حشد الرأي العام تجاهها وتأييدها في الفترات اللاحقة.

وعرض المسلسل مشاهد لزعيم إحدى العصابات وهو ينفذ محاولة لاغتيال قادة الدولة خلال احتفالهم في مناسبة معينة، وأول من بدأ بعملية إطلاق النار أفراد تابعون للعصابة، يعملون ضمن مجموعات الحماية المخصصة لقادة الدولة، وبذلك بث المسلسل أن حالات الاختراق وصلت إلى مراحل متقدمة داخل الدولة، وأن الخطر يطال قادة الصف الأول في الدولة، وهو ما جرى خلال المحاولة الانقلابية ليلة 15 يوليو.

واستعرض المسلسل اختراقات داخل السلك القضائي، من خلال قيام مدعين عامين مرتبطين بزعماء العصابات باعتقال أفراد من مجموعة علم دار أكثر من مرة، وهنا يتساءل الرأي العام التركي عن الهدف وراء اعتقال عناصر علم دار الذين يهدفون لحماية الدولة، وبذلك نجح المسلسل في تقبل حملات تطهير السلك القضائي، وهو السلك الذي قاد المحاولة الانقلابية عام 2013 عبر حملة الاعتقالات والمداهمات التي طالت مسؤولين كباراً في الحكومة.

ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد