انتشرت مؤخراً صور على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر بعض المصريين خلال رحلتهم في شرم الشيخ، وجنوب سيناء، بملابس ليست باهظة الثمن، بالإضافة إلى فيديو يظهر فيه رقص لسيدة على أنغام أغنية شعبية، الأمر الذي لاقى استياء بعض المفكرين والمتنورين بدعوى تعكير صفو السياحة.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، إلا أن البعض علّق بكلمات عنصرية، منها على سبيل الحصر: "منع أي مصري من دخول شرم الشيخ.. أنا دلوقتي عرفت أبوعلاء (حسني مبارك) كان مانعنا من دخول شرم ليه!.. اقتلوهم قبل ما يتكاثروا.. هتخربوا السياحة…" وغيرها من جمل التحقير لبعض السلوكيات غير الواعية.
الحقيقة أن شرم الشيخ وبعض المنتجعات والمدن السياحية في سيناء كانت مقتصرة قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 على السائح الأجنبي بشكل عام وبعض الأثرياء العرب والمصريين، إلا أن ثورة 25 يناير المجيدة حاولت صهر بعض فئات المجتمع المصري بشكل طبيعي؛ حتى يعيش الفقير بعض اللحظات السعيدة مثل الغني.
وبعد 2013 وإزاحة جماعة الإخوان عن الحكم، انخفضت السياحة تدريجياً، ثم انسحب الدب الروسي بعد حادث الطائرة الروسية في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2015 وتلتها بريطانيا وبعض الدول الأوروبية، ثم الأعمال الإرهابية المتكررة في سيناء، الأمر الذي أدى إلى ركود حالة السياحة، وكان نتيجة لذلك غلق بعض الفنادق والقرى السياحية وتسريح موظفيها، إلا أن بعض الحملات الشبابية استطاعت تنشيط السياحة الداخلية في شرم الشيخ، فلولا هذه الحملات لاستمرت الفنادق والمنتجعات في الغلق.
التحقير والتقليل من أفعال مصري لمجرد أنه لا يملك مالاً مقارنة بأفعال أجنبي آخر يملك "رز" ما هي إلا ازدواجية وانفصام في الشخصية، فالعامل المصري بشرم الشيخ قد يوافق على أن يجمع نفايات أي سائح غير عربي، وتكون نفسه راضية ويبتسم في وجهه أثناء لهوِه، إلا أنه ينظر بدونية إلى شريكه في الوطن إذا فعل ذلك، على الرغم من أن العامل المشترك بين "المصري والأجنبي" هو قلة الوعي وسوء بالإدارة.
الأمر يتشابه كثيراً مع واقعة حدثت أوائل الثمانينات بـ"بودابست" عاصمة المجر، عندما استقبلت سلطات النقل شكاوى من ركاب كانوا ينتظرون الحافلة لمدة تتراوح بين ثلاثين دقيقة وخمس وأربعين دقيقة، ليتفاجأوا بوصول ثلاث حافلات دفعة واحدة، فتمتلئ واحدة وتمر بجوارهم حافلتان بلا ركاب، في وقت الذروة.
البعض كان يظن هذا يرجع لغباء سائقي الحافلات أو لسوء الإدارة، إلا أن السلطات استقصت لمعرفة سبب المشكلة، لتجد الحل، فوجدت أن وضع ثلاث حافلات أو أكثر على نفس خط السير، مع المباعدة في التوقيت والمسافة بين الحافلات الثلاث، فاتضح أن الحافلة الأولى هي التي تلتقط أغلب الركاب المنتظرين، أما الثانية تلتقط أقل وتكون أسرع من الأولى، أما الثالثة فتكون شبه خالية من الركاب ويكون وقت انتظارها لالتقاط الركاب أقل من الأولى والثانية، بالتالي سرعتها أكبر منهما، وينتهي الأمر بالثلاث في صف واحد متقارب.
الحكومة المجرية حددت المشكلة، وقدمت الحل في إصدار تعليمات للسائقين بتخطي أي حافلة تكون منتظرة على إحدى المحطات تلتقط الركاب، للتخفيف من حدة تكدس الركاب على حافلة واحدة في وقت الذروة، حتى إذا كانت الحافلة السباقة لن تستوعب جميع المنتظرين.
الحكومة غير مدركة كيف تستخدم الثروة البشرية المصرية في تنشيط السياحة الداخلية والاعتماد عليها لتعويض انخفاض الوفود السياحية الأجنبية، فلماذا لا تنشر الحكومة تخفيضات لموظفيها للسفر إلى القرى والمدن السياحية في أماكن متفرقة في المحروسة، منها ستظهر أن السياحة ما زالت نشطة، ومنها إعادة تنشيط الأيدي العاملة هناك، نحن الآن أمام خيارين؛ إما أن ننشر ثقافة الوعي بين المسافرين أثناء الرحلة بطبيعة المكان، وما هو المسموح والممنوع، أو "نوّلع فيهم عشان ترتاحوا".
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.