رسالة لمتطرّف

المتطرفون لا يقتصرون على ديانة واحدة، أو تيار ما، بل شكّلوا على مرّ العصور وفي مختلف بقاع العالم تلك النقطة السوداء التي إن توسعت -مثل حالنا الآن- أصبحت من أشد العوائق نحو تقدّم المجتمع ووعيه.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/05 الساعة 07:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/05 الساعة 07:28 بتوقيت غرينتش

بدايةً.. أدرك أن هذه الكلمات لن تروق للعديد من هؤلاء الذين يرون أنفسهم أشد تديناً وتقرباً من الله أكثر من غيرهم، لكن سأذكركم هنا بعنوان هذه التدوينة: "رسالة لمتطرف"، فلا داعي لأن ينزعج أحد لا يرى نفسه مندرجاً ضمن تلك الخانة؛ لأنني في كل الأحوال لن أحدد أسماء أو أشخاصاً، هي رسالة مفتوحة وعامة، فإن أنكرتم وجود أشخاص بعقليات مثل التي سأتحدث عنها يكفيكم قول إن كل هذا من مخيلتي، فالأهم هو راحتكم وصفاء ضمائركم.

المتطرفون لا يقتصرون على ديانة واحدة، أو تيار ما، بل شكّلوا على مرّ العصور وفي مختلف بقاع العالم تلك النقطة السوداء التي إن توسعت -مثل حالنا الآن- أصبحت من أشد العوائق نحو تقدّم المجتمع ووعيه.

هؤلاء أنفسهم الذين يقولون إن الدولة الإسلامية أو الخلافة كانت في أبهى مراحل التقدم العلمي والأدبي، لا أدري هل ينسون أو يتناسون كيف أن المتشبعين بفكرهم ذاك كانوا عداة للعلماء والمفكرين والفلاسفة المسلمين، حرقوا كتبهم بل ووصل الحد أحياناً إلى التصفية الجسدية، لا لشيء سوى أن تطرفهم لأفكارهم ولفهمهم للدين جعلهم يرون كل مَن يختلف عنهم في التفكير زنديقاً وعاصياً، بل كافراً وجب قتله.. اليوم لا يختلف الأمر كثيراً، بل هو ربما أشد بشاعة كون أن هؤلاء يتم استغلالهم من بعض الجهات لترك المجتمعات متناحرة في قضايا هامشية وتافهة، اللحية واللباس والمظهر والعطر وغيرها.. وننسى العقل، ننسى القيم التي بها فقط نستطيع أن نكون معمّرين في هذه الدنيا لا مخربين.

لا يكاد يوم يمر دون أن نصادف في مواقع التواصل الاجتماعي أو شاشات التلفاز أناساً يسمون شيوخاً، دعاة دين، ينشرون أفكاراً سامة، سوداوية، رجعية، لا أدري كيف يرون أنها ستنفع في الوصول لمجتمع "الفضيلة" الذي هم عنه يبحثون؟ تريد أن ترى ثمار هذه الأفكار؟ يكفيك أن ترى شماتة المسلمين في الأبرياء الذين تقتلهم الأيادي الإرهابية باسم الله في دول وفّرت لهم حقوقاً ربما لم يحصلوا عليها أبداً حتى في بلدانهم، ويشيدون بتلك الأفعال ويبررونها، بل أبعد من ذلك تصل تلك الشماتة لمسلمين مثلهم.

حتى الآن لم أتوجّه لك يا أيها المتطرف بالكلام مباشرة؛ لأن الحديث عن كل ما سبق يحتاج أكثر من تدوينة، لم أتوجّه إليك مباشرة بالكلام كون المتطرفين لا يقبلون الاختلاف الذي خلقه الله فطرة بين عباده، كونكم حتى وإن ناداكم صوت بداخلكم يقول: ربما أنا على حق فستكتمونه، وإن كنت مخطئاً فلن تسطرون على أخطائي بالحبر الذي يكتب الكتب وينشر العلم بل بأيدٍ ملطَّخة بدماء الأبرياء، حتى وإن لم تقتلوا، فإن أفكاركم التي يتشبع بها هؤلاء قد قتلت.. نعم هي رسالة لكَ أيها المتطرف، إلا أنني أدرك أنه لا فائدة مع مَن سيراني غير جدير بمناقشته كونه في مرتبة عالية في سلم الإيمان عن غيره؛ لذلك سأكتفي بهذا القدر الآن، فعادة لست ممن يجادلون الناس المتشبعين بهذا الفكر.

لكن الأحداث الإرهابية الأخيرة والمشاهد المفزعة التي رأيناها جعلتني أرغب في كتابة هذا الكلام الذي أتمنى أن يأتي يوم أقرأه فيه ضاحكاً كونه سيكون مجرد ماضٍ في زمن الظلمات، حين سنكون ربما، في زمن أنوار من المستبعد أن يأتي في القريب العاجل.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد