السلام

السلام يُحدث المعجزات، السلام قوّة داخلية، غاندي أخاف الأكابر في زمانه دون تدخّل منه رغم أسلحتهم وجيوشهم، فقط بصمت وسلام.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/07 الساعة 01:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/07 الساعة 01:28 بتوقيت غرينتش

أنا بضاعتي السلام.. القريبون مني يعرفون أنني أدندن حول معنى السلام، قيمتي الداخلية الأولى هي السلام، وكل ما أقوم به وسط الحياة يدعم هذه القيمة؛ لهذا أرى أنّ تحديد القيمة الداخلية مُهم للشّعور بالسّلام النفّسي، والعقلي، والقلبي، وحتى البدني.

دون معرفة القيمة يكون الإنسان في غياب عن نفسه، وسيكون هناك عدم وضوح، مما يؤدي إلى وجود زحمة دائمة بالعقل، وقلق وخوف في الصدر، وربّما أدى إلى ظهور نتائج هذه الفوضى على البدن.

مفهوم السلام:

هو حالة، وكل يعيش المعنى بطريقته الخاصّة؛ أنا أعيش كحالة شعورية فيها كثير من الرضا والقبول، الرضا بكلّ شيء، وقبول كل شيء، السماح بالتواجد لكلّ شيء، والمغفرة لكلّ شيء، أكون أنا، والآخر يكون هو.

لماذا السلام؟

كلّ الأديان السماوية تحفّز الإنسان إلى الصلاة والتأمل، وتدعوه إلى الإيمان والاستسلام للشعور بالهدوء الداخلي، وهنا تجدر الإشارة إلى أن ديننا "الإسلام"، دين السلام، واسمه مشتقّ من السلام، الرسول وأصحاب الرسالات العظيمة والمؤثرون الملهمون كلهم كانوا يدعون الناس إلى السلام؛ لأن بالسلام يحيا هذا الإنسان حياة كاملة على ظهر الأرض "الحياة الطيبة".

من دون السلام تكون الحياة ناقصة "معاناة"، بالسلام نصل إلى الله، نصل إلى كلّ ما نريد، نتحكّم في حياتنا، نتواجد هنا، والآن كما نريد، ونسمح للآخر بالتواجد هنا وكما يريد.

بالسلام كلّنا نجتمع إلى كلمة سواء، إلى الإنسانية، بالسلام نقف في صف واحد أمام الله، كل الألوان، كل الأفكار، كل المظاهر تختفي، الحضور للإنسان، والروح، والمقدّس.

السلام يُحدث المعجزات، السلام قوّة داخلية، غاندي أخاف الأكابر في زمانه دون تدخّل منه رغم أسلحتهم وجيوشهم، فقط بصمت وسلام.

نيلسون مانديلا بالسلام من السجن إلى كرسي الرئاسة، أعطى الدنيا درساً في السلام، بعد سنوات في غياهب السجون، خرج وجعل من سجنه ظُلماً نائباً له، وقال: الآن ساعة الغُفران.. من أكبر أنواع القوى في الحياة قوّة السلام.

كيف نصل للسلام؟

أول خطوة إلى السلام:
"بناء علاقة مع الذات"، علاقة قبول بدائية كإعلان للسلام، للذات، ثم ارتقاء إلى علاقة احتواء للذات بكلّ ما فيها، ثم إلى مغفرة للخطأ والنسيان، وتقبّل الإنسان الذي بدواخلنا، ثم إلى علاقة روحانية والوصول إلى الروح، ومن وصل إلى الروح وصل إلى الله.

ثاني خطوة إلى السلام:

إعلان السلام لكلّ إنسان، ورفع قيمة الإنسانية، الإنسان معجزة، فيه روح الله، وهو خليفة الله في الأرض، الإنسان يكفيه شرف أنه إنسان، فلا لون ولا دين ولا جماعة ولا أرض تضيف إليه شيئاً، هو قيمة الوجود.

ثالث خطوة إلى السلام:

السماح للإنسان بممارسة دوره كإنسان في الحياة، الإنسان من الطبيعي أن يزلّ ويخطئ، اللاطبيعي ألا يزل ولا يخطئ، هو بشر في درجة الآدمية، وليس ملكاً في درجة الملائكية، الإنسان يتعلّم من الخطأ، ولولا الخطأ لبقي جاهلاً؛ لهذا أكبر معلم للإنسان في الحياة "أخطاؤه"، وأزعم أحياناً وأقول: ليس هناك شيء اسمه خطأ، كما أن هناك مساحة للتجربة للتعلّم للحبّ للمغفرة، وكما قالت كاتبة أميركية لا أذكر اسمها: "الناجحون في الحياة والحبّ هم ألين.. وخطؤهم مرة واحدة فقط"، أي سمحوا لأنفسهم ولغيرهم يعيشون إنسانيتهم.

رابع خطوة إلى السلام:

التوازن في إعطاء الأهمية لأحداث الحياة؛ لأن السلام حالة تحفظ لك هدوءك، وأي شيء فيه مبالغة يخرج الإنسان من السلام.
هنا نأتي إلى موضوع السعادة، أنا لا أؤمن بالسعادة كثيراً، ونقيضها عدم السعادة، أو الحزن، السعادة في ظني حالة مؤقتة، وهي تحتاج محفزات من الخارج للشعور بها، ثم إلى زوال، مع اختفاء المحفّز الخارجي، والعودة إلى عدم السعادة، بينما السلام حالة ثابتة داخلية، ولا تحتاج إلى الخارج.

السلام قائم بذاته هناك، ومكتفٍ، ومصدره الله "السلام"، السلام يحدث التوازن الكليّ في الداخل والخارج.

خامس خطوة إلى السلام:

التواصل مع الطبيعة، فالإنسان وسط زحمة الحياة يخرج عن طبيعته وتلقائيته، فالتواصل مع الطبيعة التي بقيت على حالها كما خلقها بارئها يعيد الإنسان إلى طبيعته التي فُطر عليها، إلى حقيقته، أصل الإنسان بهجة، والله يقول في الطبيعة "فأنبَتنا لكم بِهِ حدائقَ ذاتَ بهجَة"، وحتى البهائم والحيوانات هي على طبيعتها، كما خلقها الله، الإحسان إليها، والتودّد لها، والسلام عليها، ترفع الإنسان إلى درجات عالية من الروحانية، حتى يمشي على الأرض، وكلّ شيء في الكون يعرفه ويصافحه الإنسان، الحيوان والطبيعة والأرض "وكَانَ عِندَ اللهٍ وجِيهاً".

سادس خطوة إلى السلام:

الحبّ.. كل يعيش بطريقته، فأنا عن نفسي أبحث عن معاني الحبّ في كلّ شيء، إن لم أجد أسأل الله أن يعلمني "وقُل ربّ زدْنِي علماً"، وأحياناً أُلهَم وأقول لله في صلواتي: ربّ زدْني حُباً.

هذه بعض المعاني والمسالك المؤدية إلى السلام، ومن خلال المعايشة الذاتية بإمكانكم سلوك مسالك أخرى أكثر سلاماً، وخلق معانٍ بطريقتكم الخاصة.

في الختام.. شكراً لكلّ من يقرأ لي، أنوي أن تُحدِث كلماتي بعضَ الحركات في القلوب والآذان، سأطلّ عليكم كل أسبوعين بمقالة انتظروني، ألقاكم بسلام وحُب.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد