أحتاج إلى البدء بذكر ثلاث فِكَر يتمحور حولها المقال ضماناً لبلوغ المراد للقارئ:
كيف تحرك الغرب فيما يخص "تنظيم القاعدة" وكيف هم الآن أمام "داعش".
موقف عوام المجتمع الإسلامي إزاء "داعش" ومن قبلها "تنظيم القاعدة"، وأنوّه أن القاعدة لم ينتهِ وجودها بصفتها وشخوصها وطرائقهم إلا أن المتصدر اليوم هم داعش.
الهجمات الإرهابية على أوروبا ربما لن تتوقف خلال عقد من الزمن، ولكن الحرب على داعش يمكن كسبها في عام.
بسم الله أبدأ..
لقد فجع العالم الغربي بما جرى في بروكسل، رغم توقع كثير من المحللين لحدوث هجمة كهذه في بروكسل بالذات. ربما ينبغي أن يدرك من لم يدرك بعد أن قضية داعش في أوروبا ينبغي التفكير فيها باعتبارها "حربًا" لا "مسألة أمنية"، وبناء على تباين الفهم يتباين التعامل في إطار "استراتيجي" لا "تكتيكي أمني" فحسب.
لقد شهدت في طفولتي الحصار الذي فرضه الغرب على تنظيم القاعدة كجزء من حرب طويلة تتناول جنباتها محاربة التنظيم ماليًّا وإعلاميًّا ومعلوماتيًّا وعسكريًّا. وعن كثب راقبت نتائج الحرب التي أدت إلى ترك الساحة واسعة أمام انبساط عضلة ٍ جهادية -في نظر أتباعها- أكثر شراسة وإرهاباً وهي داعش. ففي الوقت الذي يتغنى فيه أمراء داعش بطريقهم في إدارة مدن بأكملها وتجريدهم ميليشيات منظمة تنعم بدرجة من الأمن في العراق وسوريا، لم تنعم القاعدة الأقل تسلطاً على أفرادها والأكثر رحمة بأعدائها -حتى في نظر الدواعش- بنصف تلك الظروف.
من سمح بذلك؟! وكيف يروق لصناع القرار أن يتتبعوا منذ سنوات كهوف القاعدة في أفغانسان بينما يرون أفراد داعش الآن بكاميرات عالية الجودة وهم يستعرضون طابوراً عسكريًّا في إحدى مدن العراق! تتعدد التفسيرات وبينها بَوْن شاسع ما بين فكر يظن بوجود مؤامرة كبرى تحاك للشرق الأوسط وانتهاءً بالتفكير في العبء الاقتصادي للتدخل العسكري المباشر ضد داعش. إلا أن السلوك الجامع لكل التفسيرات يشير إلى خطورة "الاستهتار" بالمشكلة. استهتار على الصعيد الرسمي أتى أثراً باستهتار في العقل الجمعي للمجتمع الغربي والعربي على حد سواء تجاه وجود هذا الكائن "داعش".
وبعقد المقارنة بين القاعدة وداعش على صعيد المواطن العربي المسلم، فقد مثلت القاعدة درجة من التنفيس لدى كثير من المواطنين تجاه الغطرسة الأميركية المؤيدة لنظم ديكتاتورية تلبي لها مصالحها الاستراتيجية، في حين يذرف المواطن العربي المسلم الدم والعرق ليحوز قوت يومه.
بالفعل رأى الكثيرون أسامة بن لادن باعتباره بطلاً مسلماً. بل يرى البعض أن القاعدة كانت السبب المباشر في نزع الستار عن صورة واهمة ترسخت عالميًّا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي حيث الولايات المتحدة تقود عالماً بات "أحادي القطب". وبعد نجاح استراتيجية "الاصطياد" التي اتبعتها القاعدة لجر القوات الأميركية إلى معارك برية في أفغانستان والعراق، توالت التبعات سريعاً مختلجة بالأزمات المالية العالمية وانكشفت الحقيقة جلية أننا في عالم "متعدد الأقطاب". واليوم لا تحظى داعش بقليل فقط من هكذا انفعال شعوري لدى المجتمع العربي المسلم، لكنها لا تنال في الوقت نفسه القدر الكافي من الاهتمام أو حتى الخوف والكراهية.
إذن ما بين "القاعدة وداعش" هو ما بين "الحرب والعدائية".. ما بين "الاستراتيجية والتكتيك".. ما بين "التفاعل الشعوري للعقل الجمعي واللامبالاة".
يمكن لأوروبا أن تستفيد من الحالة التي صنعها أوباما وإدارته فيما سيتبقى من فترته، فقد رسمت تلك الإدارة صورة أميركا كالتالي:
أميركا تحتاج إلى أن تلملم نفسها في فترة هدنة تصنعها بنفسها.
العالم بحاجة إلى أميركا وليس فقط العكس. ليس لأنها الأفضل ولكن لأن عالماً تقوده ديمقراطية غربية كالولايات المتحدة أفضل من عالم بلا قيادة.. نجد مثلاً ثوار سوريا يصرخون في عام 2013 أين أميركا مما يفعله الأسد في حلب.
أميركا أوباما أميل في حواراتها إلى لم الشمل من صخبها السابق الذي استهجنه المسلمون بل والأوروبيون أيضًا.
هذه صورة قد تخسر أوروبا أفضليتها في ظل "أميركا ترامب" إبان الحرب الأوروبية على داعش.
وختامًا، على أوروبا أن ترسم خطين لاستراتيجية "الحرب على داعش" بدلاً من سياسات "العدائية لداعش" كالتالي:
داعش يمكن إسقاطها في أوروبا بأيدي المسلمين الذين يعيشون حياتهم اليومية في أحياء المدن الأوروبية قبل سقوطهم في يد قوى الأمن والاستخبارات.
أوروبا وليس أميركا هي من في الشطر الشمالي للبحر المتوسط وفي جنوبه داعش. أوروبا هي الشطر الأقل استهجانا والأقدم في علاقته بأمراء وملوك الخليج ومعممي شيعة إيران على حد سواء وليس الولايات المتحدة.
في العام التالي وبعد مزيد صخب يعتليه الدم في سوريا والعراق، ومزيد صخب في دبلوماسية الولابات المتحدة تحت إدارة ترامب أوغيره، ومع استمرار أوروبا في سياستها الحالية المبنية على العزلة عن قضايا الشرق الأوسط الحيوية، وتهجير اللاجئين، وإذكاء نار الكراهية تجاه مسلمي أوروبا، ستفقد أوروبا حظوظها في كسب حرب لا تريدها ولكن فرضت عليها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.