جاء الارتفاع الأخير لأسعار النفط ليطرح بقوة سؤالاً مفاده: هل ولّت أيام النفط الرخيص؟ وهل نحن مقبلون على طفرة نفطية جديدة بعد سنوات من تدهور الأسعار الذي أدى إلى عجز مالي وسياسات تقشفية بالدول العربية المنتجة للنفط لاسيما الخليجية ما أثر على معظم الدول العربية حتى غير النفطية منها؟
فقد ارتفعت أسعار النفط، أمس الإثنين 16 أكتوبر/تشرين الأول، متأثرةً بالاضطرابات الناجمة عن توقف الإمدادات بعد هجوم القوات الحكومية العراقية على مدينة كركوك التي يسيطر عليها الأكراد وعلى المنشآت النفطية التي استولى عليها الأكراد في عام 2014.
جاء القتال بين الحكومة العراقية والأكراد في وقت كانت الأسواق العالمية فيه تحاول بالفعل تقدير أثر المناخ الجيوسياسي على أسعار النفط، بما في ذلك احتمالية إعادة فرض العقوبات على إيران والاضطرابات الجارية في فنزويلا، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
وارتفع سعر خام برنت، المؤشر العالمي، بنسبة 1.3 بالمئة يوم الإثنين، إلى مستوى 57.91 دولار للبرميل، مقترباً من مستوى 60 دولاراً للبرميل الذي يُعد مستوىً فارقاً نفسياً. وقد شهدت أسعار النفط ارتفاعاً منذ يوليو/تموز 2017، وهي الآن أعلى بكثير من المستويات الدنيا التي بلغتها في أوائل عام 2016، حين بلغ سعر البرميل أقل من 30 دولاراً.
وكانت بيانات صادرة عن صندوق النقد الدولي العام الماضي 2016 قد أظهرت أن سعر برميل النفط المتوقع اللازم لمعادلة ميزانيات دول الخليج في 2017 يتراوح ما بين 47.7 دولار و92.3 دولار للبرميل.
ووفقاً للبيانات فإن دولة الكويت تصدرت الدول الخليجية للسعر الأدنى للنفط المتوقع الذي يلزمها لمعادلة الميزانية بنحو 47.7 دولار للبرميل في عام 2017، بينما السعودية بحاجة إلى سعر برميل عند 77.7 دولار للبرميل حتى تحقق التعادل في ميزانية 2017.
وتعتبر البحرين وعمان من أكثر دول الخليج التي تحتاج لارتفاع أسعار النفط، حيث تحتاج البحرين إلى سعر برميل نفط يعادل 92.3 دولار حتى تحقق ميزانيتها التعادل في 2017، وعمان بنحو 79.4 دولار، فيما يلزم قطر لتعادل ميزانيتها سعر 63 دولاراً للبرميل، والإمارات 60 دولاراً.
وكان النفط قد وصل إلى أعلى سعر في تاريخه متجاوزاً 145 دولاراً بقليل في يوليو/تموز 2008، بتحفيز من قوة الطلب في الصين آنذاك وعقب سلسلة من الزيادات المتذبذبة بدأت عام 2000، بانخفاض الاحتياطيات وارتفاع وتيرة الأعمال الإرهابية (مثل 11 سبتمبر/أيلول 2001) بجانب قيام حرب الخليج الثانية (الغزو الأميركي للعراق عام 2003).
وبعد انخفاض ملحوظ في السنوات الأخيرة، تتساءل نيويورك تايمز: هل أسعار النفط الآن في اتجاه تصاعدي؟ وكيف يؤثر ذلك في الاقتصاد العالمي؟
ماذا يحدث في العراق؟
بعد أن فرض الأميركيون منطقة حظر جوي في 1991 لحماية المناطق الكردية من هجوم القوات الموالية للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، أسس الأكراد منطقة حكم ذاتي في شمال العراق صارت مقراً لحكومتهم وبرلمانهم وجيشهم. وتُصدِّر المنطقة الكردية نفطها الخاص، على الرغم من أن حكومة بغداد تنازع شرعية هذه المبيعات.
وقد لعب المقاتلون الأكراد المعروفون باسم البيشمركة دوراً محورياً، إلى جانب القوات العراقية، في العمليات ضد تنظيم "داعش".
لكن في الشهر الماضي، سبتمبر/أيلول 2017، صوَّت الأكراد لصالح الاستقلال الكامل عن العراق، ما أدى إلى رد فعلٍ غاضب من بغداد وتهديداتٍ بالتدخل العسكري.
وتخشى تركيا وإيران من أن يؤدي استقلال الأكراد العراقيين إلى اضطرابات ضمن صفوف الأقليات الكردية الموجودة بالبلدين. وقد عارضت الولايات المتحدة الأميركية ومعظم المجتمع الدولى الاستفتاء، قائلةً إنَّه قد يُطلق شرارة صراع عرقي، ويهدم وحدة العراق، ويقوض الحملة ضد "داعش".
وأعلنت القوات العراقية، الإثنين 16 أكتوبر/تشرين الأول 2017، أنَّها وصلت إلى ضواحي كركوك وانتزعت حقولاً نفطية ومواقع أخرى من القوات الكردية.
حجم النفط في كركوك
تُعَد المنطقة المحيطة بكركوك وإقليم كردستان واحدة من المناطق الرئيسية المنتجة للنفط في العراق. ويُقدِّر المحلِّلون أنَّ المنطقة بأكملها تُنتج 750 ألف برميل من النفط يومياً، يأتي نحو 400 ألف برميل منها من الحقول في أنحاء كركوك، والتي قد يطالها أي صراعٍ. ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة، تُصدِّر حكومة إقليم كردستان نحو 640 ألف برميل من النفط يومياً، يأتي 300 ألف برميل منها من كركوك.
وينتج العراق نحو 4.5 مليون برميل يومياً.
ويذهب معظم النفط المُصدَّر من كركوك وإقليم كردستان شمالاً، عن طريق خط أنابيب عبر الحدود مع تركيا، ثُمَّ إلى ميناء جيهان، وهو ميناء تركي على البحر المتوسط. وهدَّدت تركيا بوقف تلك الصادرات، رغم أنَّ أنقرة لم تتَّخذ أي إجراءٍ بهذا الخصوص حتى الآن.
ما الذي تسبَّب في زيادة أسعار النفط؟
أصبحت أسعار النفط مؤخراً أكثر حساسية للتهديدات المتعلِّقة بالمعروض من النفط، مثل الوضع القائم في كركوك الآن.
وقد أدَّى الطلب العالمي القوي والاتفاق بين روسيا ومنظمة الدول المُصدِّرة للنفط الرامي للحد من الإنتاج إلى الضغط على السوق وساعد على امتصاص بعض الفائض. ويعني هذا مزيداً التخفيضات لأنَّ الأزمات العالمية أصبحت أكثر أهمية.
فقال ريتشارد مالينسون، وهو مُحلِّل بشركة إنيرجي أسبكتس، وهي شركة لأبحاث السوق مقرها لندن: "لدينا خليط من المخاطر الجيوسياسية التي يمكنها بالتأكيد أن تستمر في دعم الأسعار وربما – في حال بقي الطلب قوياً – تساهم في دفعها لأعلى".
كيف سيؤثر ذلك على سعر البنزين؟
تُرجِم ارتفاع أسعار النفط الخام في صورة ارتفاعٍ طفيف في الأسعار بالنسبة للمستهلكين. فوفقاً لوكالة إدارة معلومات الطاقة الأميركية، وهي وكالة حكومية، يبلغ متوسط سعر غالون البنزين العادي (3.8 لتر تقريباً) في الولايات المتحدة نحو 2.5 دولار، بزيادة تقل قليلاً عن 10% مقارنةً بالعام السابق.
وفي بريطانيا، ارتفعت أسعار البنزين العادي الخالي من الرصاص بنحو 4% إلى نحو 544 بنساً (7.20 دولار تقريباً) للغالون، وفقاً لبيانات مجموعة AA لخدمات السيارات. وبسبب وجود عامل الضرائب المرتفعة في أسعار الوقود الأوروبية، تكون الأسعار أقل حساسية لتذبذبات أسعار النفط الخام مقارنةً بأسعار البنزين في الولايات المتحدة.
هل يواصل النفط الصعود؟
يبدو أنَّ هناك فرصة جيدة بأن ترتفع أسعار الوقود ارتفاعاً طفيفاً على الأقل في السنوات القليلة المقبلة. فقال أوزوالد كلينت، وهو مُحلِّل في شركة بيرنستاين ريسيرش للأبحاث الاستثمارية، إنَّ ارتفاع الأسعار إلى مستوى 60 إلى 70 دولاراً للبرميل، أو حتى أعلى من ذلك، أمرٌ محتمل.
وقال كلينت إنَّه يُشكِّك في أنَّ الزيادات الطفيفة ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الوقود بدرجةٍ تكفي لإبطاء الاقتصادات الرئيسية، كالولايات المتحدة وألمانيا. وقال: "في النطاق الذي أتحدث عنه، لا أعتقد ذلك".
ويقول آخرون إنَّ الأسعار الأعلى من شأنها فقط أن تُشجِّع مزيداً من العرض، من قِبل مُنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة على سبيل المثال، وهو ما سيمنع الأسعار من الصعود.