لماذا يجب أن تشارك ما تشعر به مع الآخرين؟.. قصة انتحار والدي

عادةً ما يكون الرجال أقل ميلاً إلى التعبير عن مشاعرهم، وليست لديهم دراية بالأمر، فقدرة الأولاد على تحويل مشاعرهم إلى كلمات يستطيعون التعبير عنها، ليست بالطبع مثل قدرة الفتيات، ومن المحتمل أن تكون هذه هي أحد التأثيرات التي تدفعهم للإقدام على أمر متطرف كالانتحار.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/29 الساعة 02:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/29 الساعة 02:46 بتوقيت غرينتش

فقدت والدي بعد انتحاره وأنا في سن العاشرة، وقبل ذلك، شاهدته خطوة بخطوة بينما كان يزداد ابتعاده وعدم تجاوبه مع أي شكل من أشكال الحب أو التفاعل مع الآخرين.

بدأت أتأقلَم مع الأمر وأتقبله شيئاً فشيئاً وعلى مهل، لم تَكُن علاقتنا قوية، ولكنني كنت قريباً منه للدرجة التي تجعلني ألاحظ أن هناك شيئاً ما لم يكن في وضعه الصحيح.

أتذكر جيداً جداً الليلة التي خطط فيها لينهي حياته، كنا نمشي معاً بين الأسواق المحلية، في محاولات يائسة مني لكي أبدأ معه محادثة عن أي موضوع.

أمضيت معظم الوقت وأنا أحاول الخروج بأفكار لأشياء من الممكن أن نفعلها معاً، في محاولة لتحفيزه وجذب انتباهه بأي طريقة، ولكنه رغم كل شيء، بقي صامتاً، ولم يتفاعل مع أي مما قلته، لم أدرك حينها أنه سيلقى حتفه بعد ساعات قليلة.

كنا ندرك -نحن عائلته- أنه مرّ ببعض التحديات؛ مشكلات في العمل، علاقة خارج إطار الزوجية، طفولة ونشأة صعبة، ولكننا لم نعرف مدى تأثير تلك الأمور عليه، وعُمق الألم الذي كان يشعر به؛ لأنه لم يكن يبوح بأي شيء، كان لديه بعض الأصدقاء المُقرّبين، ولكن، في لحظة ما في طريق الحياة، فشل الاهتمام والدعم في إحداث أي فارق.

في البداية، كان بعض الأصدقاء والمدرسين في المدرسة غير قادرين على التحدُّث معي أو النظر إلى عيني مُباشرةً، مما جعلني أدرك سريعاً مدى صعوبة الحديث عن الانتحار.
كانت فكرة مُناقشة ما حدث له مُقلقة للغاية بالنسبة إليَّ، وكنت أتجنبها في الكثير من الأحيان.

واستمر الأمر على ذلك الحال حتى بدايات العشرينات من عمري، عندما بدأت أشعر براحة نوعاً ما، في التحدث عن كيفية وفاة والدي، ومن خلال ذلك الانفتاح والتحدث عما حدث معه، انتهى بي الأمر بالدخول في محادثات مهمة للغاية مع الآخرين، مما ساعدني كثيراً بمرور الوقت، في التصالح مع ما حدث.

كما مكنّني الأمر من فهم السبب والكيفية التي جعلت الرجال يَصِلُون للانتحار، بالإضافة إلى ملاحظاتي وتجاربي التي مررت بها كشاب.

عادةً ما يكون الرجال أقل ميلاً إلى التعبير عن مشاعرهم، وليست لديهم دراية بالأمر، فقدرة الأولاد على تحويل مشاعرهم إلى كلمات يستطيعون التعبير عنها، ليست بالطبع مثل قدرة الفتيات، ومن المحتمل أن تكون هذه هي أحد التأثيرات التي تدفعهم للإقدام على أمر متطرف كالانتحار.

لا يزال هناك ذلك الافتراض الذي يقول إن الرجال يتحدثون عن "الأشياء"، أكثر مما يتحدثون عما "يشعرون" به تجاه تلك الأشياء، وأنا أؤمن بشدة بأن هذا الأمر من الأمور التي يجب تغييرها إن أردنا الخروج من الحلقة المُفرغة التي يحتفظ فيها الرجال بمشاعرهم ولا يبوحون بها.

ومن الممكن الرجوع لهذا الأمر أيضاً لفهم كيفية قيام الأولاد والرجال بعمل صداقات، فبينما تميل الفتيات إلى تشكيل روابط عاطفية بصورة طبيعية، يكون الأمر مختلفاً بالنسبة للرجال، ويكون الأمر أقل وضوحاً، وفي الكثير من الأحيان، تقتصر صداقات الرجال على المصالح المُشتركة، فعلى سبيل المثال، إن كنت تستمتع بلعب كرة القدم، هناك احتمالات كبيرة أن الأصدقاء المقربين لك سوف يلعبون كرة القدم أيضاً.

والحقيقة هي، حتى وإن كان لديك الكثير من الأصدقاء ظاهرياً، فإنه من الممكن ألا يكون لديك أي أصدقاء تستطيع مُشاركتهم ما تواجهه من صعوبات وما تشعر به من مشاعر، خوفاً من تعريض المبدأ الذي قامت عليه صداقتهم في الأساس للخطر، ولا يزال هناك ميل للاعتقاد بأن التعبير عن مشاعرك بحرية يعتبر صورة من صور الضعف، إلا أن الإحصائيات المُخيفة عن الانتحار ما بين الشباب تثبت أن هذا ليس هو السبب.

وبعد ما قيل، ومن خلال خبراتي في العمل كمدرب ومعلم للشباب، أرى الكثير من الحرية في التعبير والاحتفالات الفردية ما بين الشباب هذه الأيام، فعلى سبيل المثال، بعض المبادرات مثل Great Men، تتخذ إجراءات عملية في فتح مجال المناقشة وتشجيع الأولاد والشباب على طرح الأسئلة بخصوص بعض الأفكار المسبقة حول الذكورة، وأفضل السبل الممكنة للمضي قدماً.

وأنا مُقتنع تماماً بأننا إن قُمنا بتطبيع الأولاد والرجال للتحدث عما يشعرون به، فسوف نصبح -كمجتمع- أقل حُكماً على ما يعتبر مقبولاً أن يكون الرجال عليه، فليست المسألة هي مسألة تشجيع للرجال على فقدان أي شعور أو معنى لأنفسهم، أو التخلي عنه، بل يعتمد الأمر على طرح جميع الإمكانات الكامنة بداخلهم، التي تُمكنهم من التعبير عن مشاعرهم بشكل طبيعي أكثر، دون الحاجة إلى الكتمان أو تغيير الكلام.

من المُطَمْئِن أن نرى موضوع الصحة العقلية الذكورية والصالح العام يحظى بالمزيد من الاهتمام ويُعْرَض في الصحافة، ولكننا يجب أن نتذكر أنه في نهاية المطاف، نحن من نمسك بزمام الأمور ونمتلك قوة تغيير التيار. ووجود ثقافة الانفتاح والقبول ستقوم بتهيئة الظروف لوجود المزيد من الرجال الذين يشعرون بالراحة لمشاركة ما يشعرون به بصدق.

ظاهرياً، كان أبي يبدو وكأنه لديه كل ما يحتاجه، ولكنه على الرغم من كل شيء، اختار أن ينهي حياته، وإن علمني انتحاره أي شيء، فقد علمني أهمية عدم التردد في البوح بما في داخلنا، ومُشاركة الصراعات والصعوبات مع أهل الثقة، وعدم الخوف من التعبير عن ذواتنا بصدق.

ما زلت أعمل على تطوير تلك المهارات، وأظن أن تلك المهارات ستكون هي العلاج المطلوب لأجيال الرجال الذين يختارون التخلّي عن حياتهم يومياً.

– هذا الموضوع مترجم عن النسخة البريطانية لـ"هافينغتون بوست"؛ للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد