من الواضح ان الذين يكتبون ويعلقون على قانون "الجاستا" يجهلون تماماً تاريخ هذا القانون ولا يعرفون الكثير عن النظام السياسي والقضائي الأميركي. ولا أدري لماذا هذه المحاولات للتقليل من شأن وفاعلية القانون؟ هل هو لـ"لحس" التهديد السعودي بسحب أو التخفيض من الأرصدة التي تقدر بأكثر من 750 مليار دولار؟
ليس صحيحاً على الإطلاق أن إيران هي المقصودة بهذا القانون، لسبب بسيط هو أن أي دولة أو منظمة على قائمة الإرهاب يمكن مقاضاتها أصلاً في المحاكم الأميركية بدون هذا القانون وهذه الحالة واقعة منذ عشرات السنين. وللعلم هناك أحكام صدرت ضد إيران وصلت إلى أكثر من 46 مليار دولار، ولقد قامت الحكومة الأميركية بمصادرة مبنيين قبل عدة أعوام بقيمة تقدر بأكثر من 2 بليون دولار.
هاتان البنايتان كانتا للشاه واعطيتا لإيران كجزء من اتفاقية تسليم الرهائن عام 1981 بشرط ألا تبيعهما إيران ولا تحوّل عوائدهما خارج أميركا. وغير صحيح بالمطلق الخبرالذي يقول إن الرئيس الأميركي أو حتى الكونجرس لهما القدرة على الاعتراض على حكم اي محكمة حتى لو كانت الأحكام ضدهم.
الأحكام القضائية في أميركا بعد الاستئناف نهائية. يمكن فقط تغيير القانون من قبل الكونجرس بشرط عدم تناقضه مع الدستور (ولكن هذا التغيير لا يستطيع إيقاف أو إلغاء أية أحكام صدرت سابقة على إلغائه وإنما ينهي فقط أي أحكام مستقبلية)، ذكرت بعض المقالات أن قانون "الجاستا" تغير بعد اعتراض الرئيس الأميركي عليه وأصبح بلا أنياب.
هذا القول أيضاً خاطئ ومضلل، ليس صحيحاً أن الرئيس أو وزيري الخارجية والعدل قادرون على تعطيل أو إيقاف العمل بالقانون، الصحيح أن القانون يعطي الحق لأي متضرر من أعمال إرهابية (كما تعرّفها الحكومة الأميركية) بمقاضاة أي دولة أو شخصية عامّة حتى ولم تكن على قائمة الإرهاب، لقد كان هناك المئات من القضايا التي رفعت ضد السعودية منذ أحداث سبتمبر/أيلول 2001 ولكن الغالبية العظمى منها أسقطت بفضل قانون صدر عام 1976، الذي يحمي مقاضاة الدول التي ليست على قائمة الإرهاب أو في حالة حرب "إيران، السودان، سوريا، منظمة التحرير ومنظمات أخرى. بالمناسبة هذه الدول والمنظمات باستثناء سورية عليها أحكام بعشرات المليارات".
لذا لا بد ألاّ يكون هناك أدنى شك أن المقصود الأول في هذا القانون هو السعودية، وما تمتلكه من أرصدة واستثمارات في الولايات المتحدة. ثانيا، ما يتيحه القانون لوزير الخارجية هو أن يطلب من القاضي إيقاف العمل بنتائج الحكم (أي في حال حكم المحلفين بإدانة الدولة وقبول القاضي لهذا الحكم) لمدة 6 شهور حتى تتفاوض الحكومة الأميركية مع الدولة التي قد يحكم القاضي ضدها، والوصول إلى تسوية بدلا من صدور حكم بالاستيلاء على الأرصدة كما حدث مع إيران، وهذا الأمر أيضا خاضع لموافقة القاضي. القانون أيضاً يسمح لوزير العدل أن يطلب من القاضي 6 أشهر إضافية بعد أن يقرر القاضي أن المفاوضات مع الحكومة المعنية جادة.
بعد انقضاء السنة على التفاوض سيكون الحكم نهائياً، مع العلم أن المتضرر يحق له الاستئناف. الاستئناف الفيدرالي في أميركا درجة واحدة ثم يمكن بعدها رفع القضية إلى المحكمة الدستورية العليا التي تقبل أقل من 100 قضية سنويا من بين آلاف القضايا المقدمة لها. أي أن قبولها لأي قضية من هذا النوع هو شبه معدوم.
كما يجب أيضاً فهم طبيعة النظام القضائي الأميركي، الذي يحدد إدانة المدعى عليه ليس القاضي أو الحكومة الأميركية (بل إن الحكومة الأميركية لن تكون طرفاً أصلاً في أي من هذه القضايا، التي تعتبر قضايا حق مدني بين طرفين ليست الحكومة الأميركية أحدهما) الذي يقرر الإدانة من عدمها في هذه القضايا هو 12 شخصا من عامة المواطنين قد يكونون أصلا متعاطفين مع الضحايا (بدلا من حكومات أجنبية) ولا تهمهم أي انعكاسات سياسية أو نتائج سلبية نتيجة قرارهم. أما القول بأن اليابان وفيتنام وغيرهما سيقومون بتشريع قوانين ضد أميركا مثل هذا القانون هو أيضا مضلل؛ لأن هذه الدول ليست هي المعنية بالقانون، ولأن مصالحها الاقتصادية والأمنية مع أميركا لن تجعلها تتخذها أصلاً.
الملخص:
1- ستكون هناك آلاف القضايا المقدمة للمحاكم الأميركية ضد السعودية كحكومة وعائلة حاكمة وأمراء.
2- للدفاع عن أنفسهم ستضطر الحكومة والعائلة والأمراء ان يدفعوا عشرات إن لم يكن مئات الملايين من الدولارات كمصاريف لفرق المحامين (والتعويضات بالبلايين في حالة الإدانة).
3- كما ذكرت آنفا ليس مهماً في القانون الأميركي أن يكون المتهمون أبرياء، المهم إقناع 12 شخصاً ببراءة أو إدانة المتهمين، والبراءة ستكون صعبة؛ إذ إن الأمر يختص بأحداث سبتمبر وفي ولاية نيويورك تحديدا.
4- ستستخدم هذه القضايا كمحاولات لابتزاز الحكومة السعودية طالما أن لها مئات البلايين كأرصدة واستثمارات.
ملاحظة: كل متضرر من عمليات سبتمبر 2001 أخذ من الحكومة الأميركية منذ أكثر من عشر سنوات ما بين 2 مليون دولار (إذا كان جريحا) إلى أكثر من 10 ملايين دولار (لعائلته إذا كان قتيلا).
5- معظم الدوائر الصهيونية وكل المنظمات المعادية للعرب والمسلمين في أميركا وقفت مع هذا القانون ودعمته بقوة لأهداف سياسية وأيديولوجية لا تخفى على أحد. كما أن أعضاء الكونغرس المدافعين بشدة عن هذا القانون ذكروا أنهم غير عابئين برد فعل سعودي قوي؛ لأن في رأيهم أن السعودية لن تقوم بسحب أية أرصدة لكونها بحاجة إلى الحماية الأميركية كما أن أميركا يمكنها أن تثير العديد من المشاكل للسعودية في حال أقدمت الأخيرة على أي رد من شأنه أن يؤثر سلبياً على الاقتصاد أو السوق أو السياسة الأميركية.
إن التحدي الحقيقي هو:
هل الحكومة السعودية لديها الإرادة والقدرة على مواجهة هذا التحدي وتنفيذ التهديد الذي أعلنته قبل صدور القانون؟
إن الرد الوحيد على هذا القانون لمآلاته الكارثية هو في بدء الحكومة السعودية بسحب الأرصدة والاستثمارات، ليس بالضرورة كل شيء ومرة واحدة. ولكن لتبدأ الحكومة بسحب 3-5% كل شهر حتى يتم إلغاء القانون. في هذه الحالة فقط ستكون هناك ضغوط هائلة من الشركات وبيوت المال والاستثمار لإلغاء القانون. وعليه فإنني أؤكد أن إمكانية الغائه ستكون عالية جداّ حينها، خصوصا في وسط أوضاع اقتصادية غير مستقرة وفي سنة غير انتخابية. أما إذا لم يحدث ذلك فأؤكد أيضا أن القضايا المقدمة ضد السعودية والعائلة الحاكمة ستكون بالمئات أو الآلاف، ومن المؤكد أن بعضها سيكون رابحاً في المحاكم وعندها ستصدر أحكام بعشرات إن لم تكن مئات البلايين والخاسر وقتها لن تكن فقط الحكومات، ولكن أيضا الشعوب المقهورة التي ليس لها من أمرها وثرواتها المنهوبة شيئاً.
الخوف أن الابتزاز الواضح والمفضوح سيؤدي إلى نتيجة سيئة، وهي الانبطاح الكامل بأن تقنع الدوائر الأميركية الحكومة السعودية بدفع تعويضات قد تصل إلى 100 بليون دولار، بدلا من مواجهة آلاف القضايا في المحاكم. الشعوب التي تملك إرادتها وتحترم نفسها قطعا لا يمكن أن تخضع لمثل هذا الابتزاز الرخيص.
نأمل من الشعب السعودي أن يطالب صاحب القرار بالدفاع عن كرامته ومصالحه، وأن يعبر بحق عن إرادته، ولا يخضع للابتزاز وأساليبه المفضوحة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.