قبل الخوض في غمار هذا الحديث القديم المتجدد والسهل الممتنع، لا بد لي من أن أطرح على نفسي وعلى القارئ بضعة أسئلة وجدت نفسي حائراً في جوابها وتائهاً في ثناياها كلما شغلتني نفسي بهذه المعضلة التي أرّقت كثيراً من الباحثين وأعيتهم في وصف دوائها في هذا الوقت الذي تجد فيه كثيراً من المنظمات والمؤسسات والحركات والأحزاب العربية والإسلامية ومجموعات العمل الجماعي نفسها على مفترق طرق في ظل غياب الشباب عن القواعد وصفوف القيادة والتصدر لأسباب كثيرة، سأحاول التعرض لبعض منها بعض الشيء، وهنا أسأل نفسي وإياكم بعض الأسئلة التي تتعلق بأطراف المعضلة الثلاثة، وهم الشباب والقادة القائمون على الأمر والمؤسسات.
هل الشباب عازف عن المشاركة في قيادة المؤسسات اليوم، أم أن هناك معوقات عدة تقف في طريق طموحه؟
وإذا كان الشباب راغباً في ذلك، فما الذي يريده الشباب تحديداً؟ هل هو المشاركة في القيادة والاندماج ضمن فريق قيادي متجانس، أم الاستئثار بها وإعفاء الطرف الآخر؟
هل المعضلة تكمن في الشباب الذي أفاق من سبات طويل أم في القادة الذين تقلد بعضهم زمام الأمور في مرحلة مبكرة من حياته حتى صارت المؤسسة وكأنها جزء منه؟
هل المطلوب من المؤسسة أن تؤهل الشباب قبل التصدر، أم المطلوب من الشباب أن يؤهل نفسه حتى يكون جاهزاً للتصدر؟
هل غفلت المؤسسات عن إعداد الكوادر الشبابية وانشغلت بالمهم عن الأهم، أم عزف الشباب بأنفسهم عن العمل زهداً فيه ورغبةً عنه؟
مَن المسؤول عن حالة التردي التي تعيشها بعض المؤسسات التي وصلت لحالة من شيخوخة قياداتها حتى باتت مهددة بالفناء بسبب غياب كوادر الشباب؟
هل فعلاً تعيش بعض المؤسسات آخر أيامها بسبب غياب الشباب عنها؟
أظن أن الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها قد تكون كفيلة بالإحاطة بهذا الأمر من جميع جوانبه وإيجاد الآلية الأنسب لإقحام الشباب في العمل، إن لم يستطيعوا الاندماج فيه ومن ثَم المشاركة فيه وتمكينهم من تقلّد زمام القيادة فيما بعد.
الحق يقال أن هذه الأزمة تعيشها غالباً مؤسسات العمل المجتمعي الإسلامية، وخاصة الحركات والأحزاب المعمّرة وبعض مجموعات العمل المجتمعي، وكذلك مؤسسات النفع العام، وقد ألقت بظلالها على حاضر هذه المؤسسات ومستقبلها، فهي تعيش بين شد وجذب كلما أثير موضوع الاستثمار في القواعد الشبابية وتهيئتها، فتاهت بعض المؤسسات والحركات والأحزاب بين محاولاتها لجذب الشباب للعمل من طرف، وتحميل الشباب لها ملامة تأخرهم عن اللحاق بركب المؤسسة والمشاركة في صنع مستقبلها من طرف آخر، حتى بدأ التململ يدب في صفوف الشباب الذي وجد الكثير منهم ضالته في مؤسسات أخرى بحثاً عن الدور المفقود، في حين انطوى بعضهم على نفسه ولجأ للعمل الفردي أو الضيق ضمن مجموعات لا يمكن مقارنة دورها بالمؤسسات الكبرى.
من المعلوم أن كثيراً من القادة قد صقلتهم المؤسسات، وصنعت مهاراتهم تلك التحديات التي عاشوها في ظل هذه المؤسسات، فلماذا يضن هؤلاء القادة على الشباب أن يعيشوا ذات التجربة التي خاضها قادة المؤسسة حتى باتت المؤسسة وكأنها جزء منهم، فلا هم يرغبون بالانفكاك منها، ولا هي قادرة على التغيير والتمحور ما دامت المؤسسة تعمل في ظل نفس السياسة التي اتبعتها لعقود".
وكما أن هناك إدارة للمرحلة الحاضرة التي تعيشها المؤسسة، فلا بد من أن تكون هناك خطة استراتيجية لمستقبل المؤسسة ولضمان بقائها واستمراريتها، لا سيما أن من شروط بقائها صناعة قادة الغد القادرين على إحداث التغيير وتوجيه دفة السفينة في عالم متخبط الأمواج متصارع الأطراف متناقض الرؤى والسياسات، أم أن عدم وجود البديل الشبابي جعل قيادة المؤسسة في منأى عن التفكير بخطط كهذه، علماً بأن كثيراً من قادة المؤسسات يلومون الشباب ويتهمونهم بالقعود عن العمل وزهدهم فيه، وفي ذات الوقت يتهم الشباب القادة بالتمترس خلف مواقعهم وحرصهم عليها وعدم رغبتهم بإشراك الشباب فيها.
يكمن أحد أسباب هذه المعضلة في قناعة بعض القواعد بضرورة تقلّد المفكرين وقادة الرأي لإدارة المؤسسات، وهذه بحد ذاتها تشكل عبئاً على المؤسسة والمفكرين أنفسهم بسبب انشغال هؤلاء بمشاريع وفعاليات ومبادرات مجتمعية مختلفة أو شخصية أحياناً قد تعيقهم عن العمل للمؤسسة، وهنا أؤكد على أنه ليس من الضروري أن تكون النخب على رأس المؤسسة، بل يجب أن تناط هذه المراكز لأصحاب الخبرات في العمل الإداري والقيادي دون اشتراط النخبوية، وما أكثرهم.
حدثني أحد الشباب فقال: "كلما حضرت اجتماعات للمؤسسة لإيجاد حلول لهذه المعضلة، وجدت أن المتحدث في هذا الشأن قادة المؤسسة الكبار وعندما سألت عن السبب ذكروا لي أن الشباب هم مَن طلبوا منهم ذلك، وكانت تلك رغبتهم ظناً منهم أنهم أقدر على تشخيص الداء ووصف الدواء معطلين لعقولهم وقدراتهم"، وهذه من الأمراض التي أصيبت بها بعض القواعد الشبابية التي ترى أنها ليست جاهزة في الوقت الحاضر.
وعلى النقيض من ذلك نجد أن بعض مؤسسات المجتمع الفاعلة على الساحة اليوم والتي نلحظ في أدائها التطوير والابتكار والقدرة على صدّ معاول الهدم التي نصبها خصوم المؤسسة هي تلك التي استثمرت في قدرات الشباب ومكّنتهم من دورهم المطلوب، واستثمرت فيهم لنجاح المؤسسة فنجد في قيادتها خليطاً من الحكماء أصحاب الخبرات وأصحاب الهِمَم من الشباب من غير أن يطغى جانب على آخر، ولا يُقصي طرف آخر.
بالنظر لكل ذلك يمكننا القول إن كثيراً من مؤسساتنا تعيش في عزلة عن الشباب وعدم قدرة على استقطابهم وتمكينهم ليكونوا صمام أمان وضمان لمستقبل هذه المؤسسة، وبذات الوقت تجد أن القائمين عليها ممن أمضوا في المؤسسة دهراً من الزمن في قيادتها، فلم يساهموا في نقل الخبرات لمن سيكون بعدهم، وبقي الشباب على بُعد خطوات من المشاركة، فهل يعي القادة والشباب الدرس؟ وهل سيكون بمقدور الجميع إدراك المؤسسة قبل أن تفنى؟ ولنا في التاريخ عِبرٌ وفي الأيام دروس.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.