وأنت عائد هذا المساء

لا تكتب.. الزم الصمت إن كنت تحزن.. لا تكتب ولا تسب ولا تشتم.. فبعد أن حشوت معدتك بالطعام هذا المساء هل ما زلت تفكر أن تكتب؟ وبعد أن جلست قرب مدفأتك وفنجان قهوتك الذي ينتظرك منذ ربع ساعة، أرجوك تذكر أن تنظر فيه، فربما حطّت عليه ذبابة كانت تطير فوق روحك التي تحللّت، إذاً لا تكتب.. ليس عليك واجب.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/22 الساعة 02:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/22 الساعة 02:11 بتوقيت غرينتش

لا تكتب.. إن فكرت أن تكتب شيئاً وأنت عائد من عملك هذا المساء، تمّهل.. ماذا ستكتب؟ كالآخرين عما يحدث هناك؟
وأنت عائد من العمل لا يعيبك أن تتناول بعض السكر، في هذا الشتاء الصاخب والمذبوح والمقطَّع الأوصال.. أشهدنا أخيراً شتاء أهدأ وأرحم؟ تناولت أم لم تتناول لا فرق يصنعه السكر في حياتنا سوى وزن أكثر!

وأنتِ عائدة من "المول" محملة بأكياس التنزيلات أعرف جيداً أن شيئاً ما يشبه الضمير قد عاتبك بسبب هذا الإنفاق على حذاء آخر وجورب آخر، وكم تمنيتِ أن يكون زمناً آخر هذا الذي تعيشين فيه فلا تسمعين عن طفلٍ لم يمتلك بعد أول حذاء.

لا تبكِ فبكاؤك لا يرجع الوقت.. آه لو يعود فينا الوقت خمس سنوات أو أكثر، لا تبكِ.. وأنت في طريق العودة من عملك إذ تسمع أغنية وطنية أو ثورية أو قومية أو دينية، ترفع الصوت، لتدندن.. دندن.. مَن تحسب نفسك: ثائر الكلمات؟ وإن أصبح عندك بندقية هل فكرت والد مَن ستقتل؟ دع عنك وانظر عبر نافذة سيارتك.. هل ثمة أمل؟!

لا تحزن، فحزنك اليوم مهترئ الإنسانية، أليس من حيلة أخرى غير الدعاء، فتش جيبك وخذ آخر دينارٍ فيه لتشتري مسكناً لآلامك وشكواك وغضبك وأحلامك.. وشق التمرة الذي ستتبرع به بعد أن تلوكه ما عاد ينفع.. وأنت في طريق العودة لمنزلك فكّر: سأقاطع كل منتج روسي وإيراني، هل أبتاع أي منتج منهما أصلاً؟ قاطعتُ قديماً منتجات عدة رغم أني لم أتأكد أنها إسرائيلية الصنع، واليوم عدت أبتاعها فحفاضات "هجز" مثلاً بعد التجربة أفضل.

وأنت عائد هذا المساء لا تسهر أمام شاشات الأخبار وتعض على جرحك وتكاد تكفر.. كما لا تهدأ.. ليس متوقعاً منك أن تهدأ، ولا تبحث عن فضيحة أخرى على طاولات الكبار وأنت تقلّب الأخبار.. ولا تجافِ زوجتك الحزينة فماذا يصنع الحزن لصاحبه؟ هل يصنع سلاحاً؟ آه على قلة الحيلة التي نراها في كل ابن يكبر، ماذا نصنع؟

لا تكتب.. الزم الصمت إن كنت تحزن.. لا تكتب ولا تسب ولا تشتم.. فبعد أن حشوت معدتك بالطعام هذا المساء هل ما زلت تفكر أن تكتب؟ وبعد أن جلست قرب مدفأتك وفنجان قهوتك الذي ينتظرك منذ ربع ساعة، أرجوك تذكر أن تنظر فيه، فربما حطّت عليه ذبابة كانت تطير فوق روحك التي تحللّت، إذاً لا تكتب.. ليس عليك واجب.

ما نفع السطور تلو السطور، لا بد أن تعود غداً لعملك! إذاً هل ستكتب؟ كتبت.. ماذا كتبت؟

"ما أثمن ما سيتبقى من خبزي الجاف هذا المساء! وما أعظم هذه الليلة المعتادة التي سأقضيها مع عائلتي في سلام! ما أجمل القمر!.. أنا أريد الحياة.

إذاً كتبت؟! لا عليك أهم ما في الأمر أنك عدت هذا المساء للمنزل.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد