النظرية هي عبارة عن فكرة مجردة، تتمحور حول تفسير ظاهرة معينة، سبقتها من حيث الوجود، في إطار علمي، وتطبيقيٍ عملي، دعت الحاجة والفطرة الإنسانية الكامنة إلى البحث عن حيثيات علتها وأسبابها.
يتم اختبار النظرية والتأكد من صحتها من خلال الملاحظة والتجربة؛ ليكون الغاية منها -النظرية- إيجاد ترجمة للظواهر وربط الأحداث ببعضها البعض وفق مبانٍ علمية رصينة، من أجل الوصول إلى قواعدِ إقناعية منطقية؛ ليكون دورها هنا في هذه الجزئية دوراً تفسيراً صرفاً ليس الأ، بشرط تحقق حدوث هذه الظاهرة وعدم وجود نزاع في حدوثها، كما هو الحال في حادثة سقوط التفاحة الشهيرة، التي دفعت "إسحاق نيوتن" إلى البحث والتحري عن هذه الظاهرة الكونية؛ ليثبت من بعدها نظريته التي تعنى بالجاذبية، والتي سيطرت على رؤية العلماء للكون المادي، فكانت الحجر الأساس لعدد لا يُحصى من الأفكار والأطروحات في قوانين الحركة وقوانين الجذب العام.
كما أن هنالك نوعاً آخر من النظريات نستطيع أن نطلق عليها -إن صح التعبير- أنها نظرية إبداعية أو تنبّؤية، بالمعنى اللفظي، أي إنها بكر غير مسبوقة بحدث أو ظاهرة تستدعي البحث والتحري، وأن أهم ما يميز هذا النوع هو أنه قابل للتصديق والتكذيب بعد الاختبار والتجربة، فيكون دقة تنبؤاتها هي المعيار في تحديد أهميتها وضرورة إثباتها، كما أنّ التنبؤات هي الأخرى التي لا تشتمل على جوانب محددة قابلة للخضوع إلى الاختبار ليست مفيدة أيضاً، إضافةً لذلك فإنّه لا يمكن إطلاق مفهوم النظرية بشكل عام، إلّا إذا جاءت وفقاً لمعايير معينة، ومنها تحقيق الاتساق مع واحدة من النظريات السابقة، على أن تكون هذه النظرية مؤكدة تجريبياً، ومؤيدة بالكثير من الأدلة وليس دليلاً واحداً، بما يضمن صحّتها كاملة.
النظرية التفاعلية، هي واحدة من المحاور الأساسية التي تعتمد عليها النظريات الاجتماعية، والتي تُعنى بالأفراد وسلوكهم، لفهم النسق الاجتماعي بشكل عام، وترجمة سلوك الأفراد وأفعالهم إزاء ظاهرة أو حدث معين، كنتاج تفاعلي حيال الأشياء وما تعنيه تلك الأشياء بالنسبة لهم، وكما يعبر عنها أنها تبدأ بمستوى الوحدات الصغرى (الأفراد) منطلقةً منها إلى الوحدات الكبرى (المجتمع).
إن التفكير في التأثير المباشر لسلوك الفرد على المجتمع سلباً كان أو إيجاباً، هو بداية الطريق لتجاوز السلبيات والتعامل مع ذلك السلوك حسب نتائجه السلبية أو الإيجابية؛ لأن تجاهل السلبيات في سلوك الفرد، وعدم النظر إليها بجدية، وعدم معالجة أسبابها، لن تؤدي إلى طريق الإصلاح وما يستوجبه من تغيير إلى ما هو أفضل في كل مظاهر الحياة في المجتمع في إطار الثوابت التي يقوم عليها المجتمع.
فمن المفترض على النخب والمختصين، وضع خطط ودراسات معمقة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، للبحث في السلوكيات السلبية وأسبابها لدى المجتمع، ووضع ما يلزم من المعالجات؛ للحد من تفشّي وتفاقم هذه الظواهر المجتمعية، التي أصبحت لتكون اليوم أشبه بنمط مجتمعي عام متجذر، مفرغ حتى من الانتقاد.
نحن لا نقصد ظاهرة معينة بعينها، بقدر ما نريد أن نشير إلى مجمل الظواهر السلبية، التي نمت وتكاثرت كالأميبا في جسد المجتمع، كالتمرد أو عدم الالتزام بالقوانين والأنظمة، التي أصبحت وللأسف الشديد واحدة من ثقافات ومميزات المجتمع، بل إنها تعدت أكثر من ذلك؛ لتكون مكسباً أو مغنماً يدعو إلى الصراع والتنافس!
في حين أن معظم هذه المجتمعات التي تعاني من الأزمات المجتمعية، هي أمم ذات عمق حضاري وقيمي رفيع، على خلاف المجتمعات الأخرى التي استطاعت وبشكل يدعو إلى التامل، القضاء والحد من كل ما يمكن له أن يكون عائقاً أمام تقدم الشعوب وازدهارها، باعتبار أن سلوك الفرد هو المؤشر الحقيقي لنمو المجتمع أو تراجعه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر ش تحرير الموقع.