بنكيران والملك والشيطان

في عام 2012، أجرى عبد الإله بنكيران حواراً مع الصحفي أحمد منصور مقدم برنامج "بلا حدود" على قناة "الجزيرة" القطرية، تحدث فيه عن 20 فبراير/شباط وتجربة الإسلاميين في الحكم، وعلاقته مع القصر، وعن صلاحيات رئيس الحكومة. انتهت الحلقة، لتبدأ بعدها مباشرة حلقات "بلا حدود" من الكذب، وكأن "المعارضة" اكتشفت في حينها طبيعة النظام السياسي في المغرب وبنود دستور 2011.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/02 الساعة 09:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/02 الساعة 09:02 بتوقيت غرينتش

في عام 2012، أجرى عبد الإله بنكيران حواراً مع الصحفي أحمد منصور مقدم برنامج "بلا حدود" على قناة "الجزيرة" القطرية، تحدث فيه عن 20 فبراير/شباط وتجربة الإسلاميين في الحكم، وعلاقته مع القصر، وعن صلاحيات رئيس الحكومة. انتهت الحلقة، لتبدأ بعدها مباشرة حلقات "بلا حدود" من الكذب، وكأن "المعارضة" اكتشفت في حينها طبيعة النظام السياسي في المغرب وبنود دستور 2011.
ظل هؤلاء "المعارضون" يروجون -تحت وطأة الخوف من تنامي شعبية "المصباح"- لأكذوبة اختباء بنكيران وراء الملك وتنازله عن صلاحياته، خالطين في كثير من الأحيان بين صلاحيات رئيس الدولة وصلاحيات رئيس الحكومة. الهدف من وراء هذا القصف، كان هو دفع بنكيران إلى اتخاذ مواقف أو القيام بردود فعل غير مدروسة تجاه القصر. فأصحاب هذا المخطط الشيطاني يدركون أن تسميم العلاقة بين الملك ورئيس حكومته المنتخب سيكون هو الطريق الملكي للعودة إلى الواجهة، ما دامت كل الطرق الديمقراطية تؤدي إلى روما.. تصدر الـ"بيجيدي" للانتخابات.
اليوم، وعلى بُعد أسابيع من الانتخابات التشريعية، وبين مطرقة 4 سبتمبر/أيلول وسندان 7 أكتوبر/تشرين الأول، قررت المعارضة -أو لنقل ما تبقى منها- المقامرة بكل شيء ولعب آخر أوراقها. وهذا الرهان الأخير لن يكون شيئاً آخر غير الوشاية الكاذبة وتأليب الملك على رئيس الحكومة وإحداث صدام بين المؤسستين، حيث بلغت الوقاحة بهؤلاء الترويج لأكذوبة ابتزاز بنكيران للملك، وحشدوا الأقلام والمنابر الإعلامية بمختلف أصنافها للترويج لذلك. فحجم المقالات المنشورة في الموضوع توحي بأن الأمر أكثر من مجرد تحليل بنيوي لخطاب بنكيران وأكبر من أي محاولة لقراءة ما وراء السطور؛ بل إن حجم هذه المقالات التي يقرر كتّابها سلفا النتيجة -أي ابتزاز بنكيران للملك- ثم يبحثون بعد ذلك في كلامه عما يمكن أن يُؤَوّل على أنه ابتزاز، يؤشر إلى أن الأمر يتعلق بحملة منظمة وأن هناك جهات تقف خلفها.
حتى الأمس القريب، كان هؤلاء يروجون لتجميد بنكيران للدستور وللتنازل عن صلاحياته، واليوم انقلبوا على أنفسهم 180 درجة وبدأوا يروجون لابتزاز بنكيران للملك، دون أن يثير ذلك في عقولهم أي حرج. "بنكيران يتنازل عن صلاحياته" تارة، و"بنكيران يبتز الملك" تارة أخرى! لماذا سيبتز بنكيران الملك ما دامت كل استطلاعات الرأي وآراء المحللين داخل المغرب وخارجه تؤكد أن شعبيته في أوجها وأن حزبه ما زال يحظى بثقة المغاربة وأنه سيتصدر انتخابات 2016؟ لماذا سيبتز بنكيران الملك وهو الذي كان له الفضل في استمرار حكومته إلى اليوم؟ ومن الذي تزعجه هذه العلاقة الطيبة بين المؤسسة الملكية ورئاسة الحكومة من جهة، وبينه -أي الملك- وبين الأحزاب الوطنية من جهة أخرى؟
الملكية ليست شخصاً، إنها مؤسسة يوجد على رأسها الملك. وهذا الملك -كما في جميع الملكيات في العالم وعبر التاريخ- تحيط به نخب. وهذه النخب ليست على قلب رجل واحد. هذه النخب منخرطة في حرب مصالح فيما بينها، وفي معارك وجودية؛ منها نخب عصرية تؤمن بالمشاركة السياسية والتعددية الحزبية وفسح المجال أمام المنتخبين لتحمل المسؤولية والمشاركة في صناعة القرار ولو بشكل تدريجي، وفي المقابل هناك نخبة تقليدانية محافظة ومتوجسة من تنامي الاهتمام بالسياسة وازدياد دور الأحزاب. هذه النخبة الأخيرة، التي أطلق عليها بنكيران اسم "القلالش"، تحوم حولها شبهات استغلال النفوذ والقرب من الملك لتحقيق مآرب شخصية، وهي ذاتها النخبة التي أشارت على الملك في 2003 بحل حزب العدالة والتنمية عقب أحداث 16 مايو/أيار، وهي التي كانت وراء زرع فيروس "الأصالة والمعاصرة" في الجسم الحزبي المغربي. هذه النخبة عرفت انتكاسة حقيقية في 2011. وتوارت إلى الظل، عندما تبين أن المشروع الذي كانت تحاول استنباته هنا في المغرب قد بلغ مداه في كل من تونس ومصر، وأدى إلى ما نعرفه جميعا، مما فسح المجال أمام النخبة العصرية وأكسبها هامشاً كبيراً من المساحة داخل مربع السلطة.
غير أن هؤلاء "القلالش"، وإن كانوا تلقوا ضربات موجعة في 20 فبراير/شباط، إلا أنهم لم ينقرضوا ولم ييأسوا بعد، فهم يتحينون أي فرصة للعودة إلى الواجهة واستكمال ما بدأوه قبل عدة سنوات. وهذا ما يدركه بنكيران جيدا، وهو أيضا ما بدأت تنتبه إليه بقية الأحزاب الوطنية وتتحدث عنه بكثير من الجرأة. المشكل اليوم، ليس بين الملك والأحزاب الوطنية؛ بل بين هذه الأخيرة ومن يريدون لعب دور "الوسيط" بين الملك والشعب. لذلك، وجه بنكيران مدفعيته الثقيلة لهؤلاء وتحدث في الكثير من لقاءاته الداخلية والمفتوحة، بمنطق "إياك أعني واسمعي يا جارة"، عن تهديدهم لاستقرار البلد بسبب سعيهم إلى التحكم في الحياة السياسية وتوجيهها وفق ما تشتهيه مصالحهم الضيقة.
بقي فقط في ختام هذا المقال أن نستمع إلى بنكيران يرد على تهمة ابتزازه للملك. هناك ردود كثيرة اخترنا منها عن وعي رده في أحد المهرجانات الخطابية في يونيو/حزيران 2011 -وتلك كانت بالمناسبة أحسن فرصة لابتزاز الملك- على نشطاء حركة 20 فبراير/شباط، عندما طالبهم بتوضيح مواقفهم. لنستمع إلى هذا الرد الجامع المانع: "إلى بغيتو طيحو الملك قولوها للمغاربة وشوفو أش غايديرو معاكوم"، مردفاً: "خليو عليكوم الملك في التيقار"، هل يحتاج هذا التصريح إلى توضيح؟

ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد