لم يسمع عن دُريد ابن الصُّمَّة ولا طَرفَةَ بن العبد، ولم يقرأ ديوان المتنبي، ويتلعثمُ في كلِّ مرةٍ يتلو فيها الآية 16 من سورة سبأ!
لا يعرف الفارق بين العقيقة والوليمة والوكيرة والوضمية والنقيعة والعذيرة والمأدبة!
ولم تتخضب عروسُهُ ليلةَ زِفَافِهَا بالحنَّاء أو تدهن كعب قدميها بدمِ الغزال، ولم تتكحَّلْ بحجر الإثمد؛ بل بمنتجاتِ جيفونشاي وفيرساتشي وسيفورا وشانيل وديور وإيف سان لوران.
لا يتعطرُ باستخدام العود والمسك والعنبر؛ بل بعطور جوتشي وكارتييه وأرماني وباكو ريبان وكالفن كلاين وبولجاري.
لم يستخدم الريشةَ والمحبرةَ يوماً؛ لأنه لا يُميِّزُ الفارقَ بين الخط الكوفي والثُلُتُ والفارسي والديواني، ويحرصُ على توقيع العقود والمستندات الهامة بأقلام دانهيل ومون-بلو وسيروتي..
لم يتناول تَمْراً قُطِفَ لتوِّهِ من نخلةٍ عراقية، ولم يمتطِ فرساً سوى في المرةِ الخجولة التي زار فيها أهرام الجيزة!
لا يستسيغُ لحمَ الجزور، ويستنكفُ أن يجلسَ على الأرضِ لتناولِ الطعام الذي لا يأكله سوَى على مِنضَدَةٍ مرتفعة وباستخدام الشوكة والسكين، ووفق قواعد الإتيكيت الذي يخالُ مخترعَه فرنسياً، ويجهلُ أنه عربيٌ نقل الفنونَ إلى قرطبة من قصر الخليفة الذي كان يَحُجُّ عاماً ويغزو عاماً!
لم يشهدْ شروقَ الشَّمسِ على صفحة نهر النيل في شتاء أسوان، ولا ارتحل خصيصاً ليشهدَ غروبَها في عين حمئة! رغم أنه يفاخر بصورته مع خلفية "آرك دو تريومف" على صفحته في فيسبوك، وباليوم الذي انكفأ فيه على وجهه وهو يحاول مجاراة زائري "هايد بارك" في التزحلق على الجليد!
لم تتمايل روحُهُ مع موسيقى كاظم وهو يغني للمرواني: "أُعَتِّقُ الحبَّ في قلبِي وأَعْصُرُهُ، فأرْشِفُ الهَمَّ فِي مُغْبَرِّ كَاسَاتِي"، رغم أن مكتبته لا تخلو من أسطوانات باخ، فضلاً عن الأعمال الكاملة لموتزارت وبيتهوفن.
لم يجرب قنص الطيور ولا يصبرُ على صيد الأسماك، ولم يحرص يوماً أو بعض يومٍ على تعلّم الرماية!
لم يُغَسِّل ميتاً، ولم يُكَلِّفْ خاطِرَهُ تعزيةََ صديقِهِ يومَ ماتت زوجةُ خاله!
ليس معتاداً تقبيل يد أبيه ولا قدمِ أمه..
لا يميِّزُ بين المقلوبة والكبسة والعصيدة واللخنة، ولا بين المعمول والغُريّبة، أو بين الكحك والمقروط، ويخلطُ بين الهريس والمشبّك تماماً كما يفعل مع الجلاش والرقاق!
لم ينفرْ إلى الباديةِ ليشربَ فيها ألبان البعير الطازجة، فضلاً عن القهوة اليمنية الممزوجة بالزعفران والهيل والقرنفل والزنجبيل، فيما لم يستلقِ على جلود الضأن في ضيافة خيمةٍ بدوية وخريفِ ليلةٍ مقمرةٍ، فهو يفضل احتساء قهوة ستاربكس في جميرا بيتش ريزيدنس، ليتوجه بعدها لاستكمال سهرته في باراستي دبي، حيث موسيقى الراب الصاخبة وأضواء الليزر المبهرة، وكيك التيرامسيون مع ستروباري الميلك شيك!
لم يدْعُ ضيوفَهُ يوماً لصحنِ ملوخية مع طبق الكسكس بلحم الماعز المصحوب بالبصل والثوم والفلفل الأحمر، رغم حرصه على إطعام أطفاله فضلات ماكدونالدز، وعدم ممانعته في إدمانهم منتجات بيبسي وكوكاكولا وبطاطس برينجلز وشيكولاتة كيندر سوربرايز!
لم يعد يشتري احتياجاته المنزلية من البقّال البسيط المجاور لبيته القديم، ولا من بائعة الخضار في السوق الشعبية رغم كونها تقوم بسداد ديون زيجة ابنتها اليتيمة، وإنما من هايبر ماركتس "كارفور" و"لولو" و"بنده"!
لا يحفظُ سوى اسم أبيه وجده وبالكاد لقب عائلته، ولا يميِّزُ بين طبقات الأنساب كالقبيلة والعمارة والبطن والفخذ والفصيلة، لكنه يحفظ عن ظهر قلب حكايات ضرائر الحسناء أنجلينا جولي الثلاث، وقصة كفاح ليونيل ميسي والسيرة الذاتية لكريستيانو رونالدو!
هو: ليس نَعْقاً شاذاً، ولا نَزَقاً شارداً.. فكلنا ذلك الرجل!
هو: ليس انفصالاً عن الواقع ولا ابتذالاً للحقيقة؛ بل حالُنا جميعاً نحن أجيال العرب المستعربة! الجديدة.
لو رأى "امرؤ القيس" الجاهلي واقِعَنا.. لصلَّى علينا صلاةً لا ركوع ولا سجود لها، ولو بُعِثَ فينا أبو الطيب المتنبي لما كتبَ عن السيف والرمح والقرطاس والقلم؛ بل عن كايرو فيستيفال سيتي، وغاليري الرياض، ودبي مارينا، وريستورا لوبورت كازابلانكا!
ولو عادت الروح إلى الحسين بن علي، فرأى الدبابات الأميركية تسرحُ في شوارع الكُوفَة، وبقايا الصواريخِ الرُّوسية تهوِي في صحنِ الجامع الأُمَويّ بدمشق، وأنهار دماء المسلمين لا يمنعُ جريانَها سَدُّ مأرِب، ونجمة داود السُّداسية تعلو علواً كبيراً فوق مسرَى جدِّهِ المصطفى، لماتَ كمداً على دمائه التي نزفها؛ حتى يكون مَثلاً في التضحية والفداءِ لأمةٍ لا تستحق.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.