كتاب السياسةِ الشرعيّة في أزمنة الوهن والاستضعاف

"إنّ تخلُّف حرَكَة الاجتهاد والتجديد لدى شريحةٍ من العلماء أصابَ الأمّةَ في وقتٍ مبكّرٍ من تاريخها، إذ إنهم عَجَزوا عن مواكبة الحوادثِ والمستجداتِ، ما ألجأ الحكّامَ إلى وَضعِ قوانينَ لا تَمُتُّ إلى أحكام الشَّريعةِ أو مقاصدها بصلَةٍ، فنتجَ عن ذلك شر طويلٌ وفسادٌ عريضٌ، حتّى تفاقمَ الأمر وتعذَّرَ استدراكُه كما أشار إلى ذلك الشيخان ابن تيميّةَ وابنُ القيّم.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/01 الساعة 03:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/01 الساعة 03:50 بتوقيت غرينتش

أنور قاسم الخضري، دار الوعي للنشر والتوزيع، 1436ه، الطبعة الأولى

يحاول الباحث إسقاط النور على الآراء والاجتهادات الفقهية الحاصلة في أزمنة ضعف الأمة وتقهقرها وفي احتمالاتها كافة، وأنّها ليست حِكراً على زماننا هذا، فيقول في مقدمة الكتاب:

"وإذ إن قَدَرُ اللهِ تعالى سبقَ بأن يقعَ في هذه الأمّة الإسلاميّة ما وقع في الأمم السابقة من الانحرافات والمحدثات، فكان من الطَبْعِي أنْ ينحرفَ حالها في الحكم أو أن يغيب بالأساس، فتَقَعَ بما وَقَع فيه اليهود والنصارى من تسلّطِ أعدائها عليها، وجَور السلّطانِ بها، فإنَّ شمول الشريعةِ لهذه الحالات توجيهاً للفرد المسلم والجماعة المسلمة أمرٌ طبعيٌّ. فليس من صلاح الشريعة للفرد أو الجماعة في حال كانت هي المهيمنة ولها السلطان؛ لأن هذا الحال في تاريخ البشرية -قبل الإسلام وبعده- ليس هو السائدَ والغالبَ، بل صلاحها يمتدُّ في كونها حيّةً مؤثرةً وموجِّهةً للفرد والجماعة حتى مع غيابِ السلطانِ والحكم، ولولا ذلك لاندثرت واضمحلّت، شأنُها في ذلك شأنُ الأديان التي حُرِّفَت أو الأفكار البشريّة الوضعيّةِ السياسيّةِ التي لا تعرفُ توجيه النّاس إلا من موقع الحكم، فإذا ما غابت عن الحكم غابت عن ميادين الحياة ووجدان البشر.

من هنا كان التفكير في بيان صلاحيّة الشريعة الإسلاميّة سياسيّاً، للفرد والأمّةِ حتى مع غياب السلطان والحكم، هو مقصد هذا البحث المتواضع في سبيل بيان مدى الأفق الذي تتيحه الشريعةُ لأهل الإسلام؛ ليتحرّكوا في الواقعِ، تمكيناً لدينهم، وجلباً لمصالحهم، وطلباً لمنافعهم حتّى مع غياب سلطانهم.

ولولا هذه السَّعَةُ لوقع في الأمة ما وقع للأمم من قبلها من انطماس دينها واندثار آثارها" (ص 5 و6).

فـ"إنّ من بين الإشكالات التي خلّفَت نزاعاً وأنتجت فساداً بين المسلمين غيابُ الحُكمِ الإسلاميِّ، وقيامُ أنظمة تدّعي الإسلام وهي تنتمي لغيره فكراً ووِجداناً وسلوكاً. فأصبحت الأمّةُ بلا خلافةٍ جامعةٍ ولا ولاية شرعيّةٍ صالحةٍ، تتعدّدُ فيها نظريّات الحُكمِ وأنظمة السلطةِ ومشاربُ التَّشريعِ، في حينِ عَجِزِ ووهنِ وخلافِ الصالحينَ، وجهل وغثائيّة الأمّة، وهيمنةِ وشوكةِ أهل النِّفاقِ والزندقَةِ، وتكالب أعداء الخارجِ من كل جنسٍ ومِلَّةٍ " (ص 7).

وتكلّم على أهمية دور العلماء ومسيس الحاجةِ إليه، خاصة في مثل هذه الأزمنة، وأشار إلى كلام ابن تيميّة -رحمه الله- عن الفساد الذي ظهرَ نتيجةَ ضعف العلماء في زمن بني العبّاس.

فهذه الأزمنة غالباً ما تَدفعُ بنهرِ الاجتهادات قُدماً؛ لِتغيّر الأزمان ولتغيّر الوقائِع أو يكون البديل الأحكام الوضعية الفاسدة، يقول الخضريّ:

"إنّ تخلُّف حرَكَة الاجتهاد والتجديد لدى شريحةٍ من العلماء أصابَ الأمّةَ في وقتٍ مبكّرٍ من تاريخها، إذ إنهم عَجَزوا عن مواكبة الحوادثِ والمستجداتِ، ما ألجأ الحكّامَ إلى وَضعِ قوانينَ لا تَمُتُّ إلى أحكام الشَّريعةِ أو مقاصدها بصلَةٍ، فنتجَ عن ذلك شر طويلٌ وفسادٌ عريضٌ، حتّى تفاقمَ الأمر وتعذَّرَ استدراكُه كما أشار إلى ذلك الشيخان ابن تيميّةَ وابنُ القيّم.

واستيعاب الشريعةِ للمستجدات إنما يُعبِّر عنه العلماءُ الرَّبانيّونَ باجتهادهم وآرائهم التي تُمثِّلُ امتداداً لخطاب الشارع، ولذلك وَجبَت طاعتهم كما في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" (النساء: 59)، ووَجَبَ الرجوع إليهم كما في قوله تعالى: "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأمن أو الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإِلَى أولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً" (النساء: 83)، ولو أنّ الشرعَ استوعبَ بنصوصه كلَّ المسائل الحادثةِ لما كان للاجتهاد والنَّظَرِ معنى، فشموله إنّما هو بالمقاصد التي ينطلق منها والقواعد التي يُقاسُ بها، والأصول التي يُردُّ إليها، ومناهج الاستدلال والنّظَر وموازين الحُكمِ والتقييمِ، وأما الإيقاعُ والتنزيلُ فموكَلٌ لورثة الأنبياء.

ومن ثمّ يجبُ أن تُعطى المسائلُ الحادثةُ حقّها من النظر والتأملِ والفهم والفقه، مع استيعابِ أبعادها وآثارها ومظاهرها ومآلاتها، واستيعاب كل النصوص والقواعدِ والمقاصدِ التي يجبُ أن تُرَدَّ إليها قياساً وإعمالاً وتحكيماً، دونَ القطعِ على المُخالِف في اجتهاده بالتضليل والطَّعنِ، بل يجبُ أن يلتزمَ في مثل هذه المسائل الحادثة بقول الشافعيّ: "قولي صوابٌ يحتملُ الخطأ، وقول غيري خطأٌ يحتملُ الصَّوابَ" لا أنْ تُجْعَلَ ابتداءً مِن مسائل الإجماع أو المسائل القطعيّة التي لا اجتهاد معها" (ص 12).

ويؤكّد المؤلف على القاعدة الفقهيّة في المصالح والمفاسد، والحُكْمُ في ذلك الاستطاعة والقدرةُ، غير أنّه لا يُتَعَذَّرُ بالمفقود عن فعل الموجود.

ثُمَّ يَذكرُ فصولاً في سنن الاجتماع البشري وحاجةِ الإنسان إلى الاجتماع، وأنّه اجتماعي بطبعه ثمّ عرّج على القوانين التي يُحتاجُ إليها نتيجةً لهذه العلاقات وتنظيماً لها والأثرِ الكبير للعلماءِ وللوُلاة على الأمّة: "ولمّا كانَ قيامُ الإسلام بطائِفَتَي العُلماءِ والأمراءِ، وكان النّاسُ كُلُّهم لهم تبَعاً، كان انصلاحُ العالَم بانصلاحِ هاتين الطائفَتَينِ، وفساده بفسادهِما، كما قال عبد الله بن المبارك وغيره من السلف: صنفان من النّاس إذا صلحا صلح النّاسُ، وإذا فسدا فسدَ النّاسُ، قيل من هم؟ قال: الملوكُ والعلماءُ… [ورُوي عنه] قولُ:

وهل أفسدَ الدينَ إلا الملوكُ وأحبارُ سوءٍ ورهبانُها" (ص 18).

ويرى خطأ انسحاب العلماء والمصلحين عن مواقعِ صنع القرار والتأثير فيقول:

"ولقد كان من نتائج انسحاب كثيرٍ من العلماء والمصلحينَ عن مواقعِ صُنعِ القرار والتأثير والتوجيه، لقناعتهم بأنّ في تولّيها مفاسدَ عليهم في دينهم، أو أنَّ فيه إقراراً بالباطل القائمِ وتجميلاً لصورته، أو غيرَ ذلك من العلل التي يستندون عليها في تورُّعهم… دخولَ عموم الأمة في انحرافاتِ الحكّامِ وجورهم، وخضوعها للضلالات والباطل في غالبيّةِ شؤون الحياة كما هو حال الأمّة اليوم في ظلّ الأنظمة الفاسدة الجائرة، حيثُ يُصاغُ الإعلام والتعليم والثقافةُ والأدب والتاريخ والفكرُ صياغةً منحرفةً " (ص 19).

واستدلّ بقول الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: "قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرض إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ" (يوسف: 55) على جوازِ وأحياناً وجوب طلبِ المنصبِ إذا أَنِسَ الطالبُ من نفسهِ القوّة والأمانة.

ثم يبسط القولَ والاجتهادات الفقهية في الحالات التاليّة:

1 – غياب الحكم الإسلاميّ.

2 – وجود مجتمع مسلم مع غياب الدولة المسلمة جزئياً.

3 – وجود مجتمع مسلم في دولةٍ كافرةٍ.

4 – وجود مجتمعٍ مسلمٍ مع غياب الدولةِ كليّاً.

5 – وجود حاكمٍ مسلم في دولةٍ كافرة.

6 – هل يجوز للمسلم أن يحكم غيرَ المسلمين.

7 – غياب دولةٍ مسلمةٍ وجماعةٍ مسلمةٍ.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد