ظهر نظام حكم "الحزب الواحد" في النصف الثاني من القرن الـ 19، وانتشر بين الدول الشيوعية، والباحثة عن أيديولوجية، وعادة ما كان يظهر بدول خرجت من حرب أهلية، أو حرب استقلال، ليكون الحُكم بعد ذلك من حق الجبهة المناضلة.
يعتمد النظام فيه على دستور يكتبه الحزب القوي، ومن خلاله يشكل الحكومة منفردا مع حظر جميع الأحزاب الأخرى، أو منعها من المشاركة السياسية.
أعقب ذلك ترويج النخب الغربية دون كلل للتعددية الحزبية باعتبار ذلك هو الطريق الوحيد لخلاص العالم النامي الذي طالت معاناته، وأن الدول التي تختار التعددية السياسية محكوم لها بالنجاح.
"إن نجاح نظام الحزب الواحد لا يحل مشكلة الحاكم السيئ، وهي: كيف يتم تحديد سوء الحاكم؟ ومتى يتم عزله في هذه الحالة؟ فالحزب الحاكم رغم شعبيته لا يتنازل عن السلطة عندما يخسر هذه الشعبية".
كتاب "أصول النظام السياسي" لفرانسيس فوكوياما
ووفقًا لمؤسسة فريدوم هاو، فقد صعد عدد الدول الديمقراطية من 45 دولة في عام 1970إلى 115 في عام 2010.
وبقيت بلدان عصية على التحول نحو التعددية السياسية وحافظت على بقاء نظام الحزب الواحد حتى الان، وهذه الأنظمة نستعرضها في الحيز التالي:
الصين، الحزب يقيس رضا الشعب، فهل تكفيه النتائج الاقتصادية؟
الاجتماع السنوي للحزب الشيوعي الصيني
تأسس "الحزب الشيوعي الصيني" عام 1921، ووصل لحكم الصين بقيادة ماو تسي تونغ عام 1949 بعد حرب أهلية خاضها ضد الحزب الوطني "الكومندانغ". ويشكل أعضاء الحزب الآن جميع مؤسسات الصين من رئيس الدولة والحكومة إلى حاكم أصغر منطقة في البلد. حتى أصبحت أحاديته راسخة في الدستور الصيني رسوخ الديمقراطية بأكبر عدد أعضاء داخل الحزب، بلغ 84 مليون عام 2014 تحت قيادة شي جين بينغ.
منذ تأسيس الصين تحت قيادة الحزب الواحد انتقلت من التحالف الوثيق مع الإتحاد السوفيتي إلى التحالف الإفتراضي مع أمريكا في السبعينيات، أما اليوم فهي مستقلة بتحالفات متعددة، هذا على الصعيد الخارجي، أما داخليا فقد تغيرت السياسات الحكومية وخضعت للتجريب على أوسع نطاق ممكن. بداية بما سمي "تحالف الديمقراطية الجديدة" ومرحلة عملية إصلاح الأراضي أوائل خمسينيات القرن الماضي إلى شبه خصخصة الأراضي الزراعية في الستينات، ومن الثورة الثقافية إلى إصلاح السوق في عهد دنغ جياو بينغ، لتكون النتيجة هي صعوبة التفريق بين مراحل السياسة الداخلية الصينية من فترة إلى أخرى، وظهور مدى الإختلافات الأيديولوجية بين أبناء الشعب.
تسلم الحزب الشيوعي الصيني زمام الحكم لبلد غارقة في الحروب الأهلية، واليوم هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتؤكد دراسات اتجاهات الجمهور الصيني رضاهم المتزايد عن اتجاهات الدولة "الحزب"، لكن عرفت حالات عديدة من الفساد داخل الحزب، فحسب إحصاءات رسمية تورط أكثر من 660 ألف مسؤول حزبي وحكومي في قضايا فساد، ومثل منهم 24 ألفا أمام القضاء، وخضعوا لإجراءات عقابية وتأديبية.
وطردت السلطات في الحزب الشيوعي الصيني في 14 يناير 2015 المشرع الكبير في أعلى هيئة تشريعية في الصين من الحزب بعد التحقيق معه في قضية فساد، والاشتباه بتلقيه رشوة بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الصينية الرسمية، غير ذلك فإن عددا من كبار المسؤولين ثبت مشاركتهم في عمليات المضاربة على العقارات الأوسع انتشارا في الصين.
كوريا الشمالية، الحزب الواحد والأسرة الواحدة ورئيس يحكم منفردا
كيم جونغ أون الحفيد ورئيس كوريا الشمالية
في عام 1946 عقب الحرب العالمية الثانية تأسس حزب العمال الكوري تحت شعار "الجبهة الديمقراطية من أجل إعادة توحد أرض الآباء" على يد "كيم إل سونغ" رئيس كوريا الشمالية المؤسس لنظامها الشيوعي منذ الحرب العالمية الثانية وحتى منتصف التسعينيات، وخلفه ابنه "كيم جونغ" مواصلًا سياسة والده وعبرت كوريا الشمالية الأزمة، وتوفي كيم الابن في نهاية عام 2011، ليخلفه ابنه "كيم جونغ أون" أصغر رئيس في العالم حتى الآن.
تتحدى كوريا الشمالية الغرب باعتبارها دولة مغلقة نأت بنفسها عن محيطها الجغرافي، وما تقدمه الجهات الكورية الرسمية للمنظمات الدولية والدبلوماسية لا يتجاوز معلومات سطحية غامضة غير مفصلة، لكن الواضح بعد انهيار الاتحاد السوفيتي قدرتها على البقاء متمسكة بشمولية نظامها السياسي والاقتصادي وقدرة الحزب على تحقيق أغراضه دون التأكد من كونه يستبد بشعبه خاصة بعد نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة والتي حقق فيها الحزب نتيجة 100%.
في كوريا الشمالية يتربع الرئيس على النظام كتجسيد لإرادة الحزب والمنسق الوحيد للكيان الاجتماعي، ومع النظام الشيوعي والحزب الأحادي الذي تتبعه كوريا الشمالية فإنها تتبع أيضا خلافة الأسرة في الحكم باعتبار الإبن هو الوريث لفكر أبيه وقدراته ونجحت في تطبيقه بتجهيز الخليفة والتمهيد لحكمه وتمجيده في الإعلام حتى يصبح حكمه مطلقا دون عقبات.
يقود رئيس الدولة الكورية الجيش ويعتمد عليه في حماية النظام السياسي، وتملك كوريا الشمالية واحدا من أكبر جيوش العالم قوامه 1.9 مليون جندي عامل و620 طائرة ويملك الجيش الكوري الشمالي ترسانة من الأسلحة الكيماوية والنووية والصواريخ البالستية وربما الأسلحة البيولوجية، ويملك حصة كبيرة في قطاع الأعمال الكوري مما يجعل دور الجيش المستقبلي غامضا في ظل عدم الثقة بالقدرة الكورية الشمالية على مواصلة تمويل الجيش والتسليح والعمليات العسكرية بدون اقتصاد قوي مزدهر.
إرتريا، استبداد الرئيس وفشل الانقلاب عليه
الرئيس الإرتري الحالي أسياس أفورقي
تأسست "الجبهة الشعبية من أجل الديمقراطية والعدالة" منذ 1991 بعد حرب الاستقلال الإرترية، وحكم الحزب البلاد منذ الاستقلال حتى الآن دون أن تجرى انتخابات أو يؤسس لبرلمان أو نقابات.
يعمل النظام الحاكم بإريتريا بعيدا عن نموذج الدولة الحديثة صاحبة المؤسسات، حتى أنه خارجيا تتسم علاقته مع الغرب بالتوتر وعدم الثقة خاصة بعد قيام الرئيس الإرتري أسياس أفورقي بطرد المنظمات الدولية من بلده عام 2000 بعد نزاعه مع إثوبيا.
مع بداية القرن الحالي انقسم أعضاء الجبهة الشعبية بين معارضين وموالين للرئيس أسياس أفورقي، وكان من بين المتعاطفين مع المعارضة كبار ضباط الجيش وضباط داخل قوات الدفاع الإرترية وسط انقسام المسؤولين الكبار الأعلى رتبة.
خشي الرئيس من ثورة عناصر الجيش واستبد لكسب الدعم المباشر من أعضاء حزبه من وزراء وأعضاء وخاصة أولئك الذين فضلوا الحياد حيال ما يجري بين الرئيس والمجموعة المعارضة له "الإصلاحيين"، وذلك بتمرير رسائل تحثهم على عدم بقائهم على الحياد وأن يدينوا المعارضة حتى لا يتعرضون لفقدان وظائفهم.
ويدين الرئيس "الإصلاحيين" ويصدر بحقهم أحكام إدانة طبقا لقوانين الجبهة الشعبية للعدالة والديمقراطية، التهم تتعلق بالخيانة بغرض تخويف بقية المجموعة المعارضة.
تسببت سلبيات الحكم الإريتري في حشد الكثير ضده مع إجراءات بدعوى حفظ الأمن الوطني، أهمها قضية طلبة جامعة أسمرة ورفضهم الامتثال لقرارات الحكومة المتعلقة ببرنامج الخدمة الوطنية الصيفية ليعقبه إجراء حكومي بسبب طلبة جامعيين.
وقد استخدم النظام عمليات التوقيف والاعتقالات في صفوف طلبة الجامعة وعملية الاعتقالات بحق مراسلي ومحرري الصحف المستقلة وفشل الحكومة في حل قضية مشردي ونازحي الحرب الأخيرة، وحجب الحكومة المعلومات عن الأسر والعوائل في ما يتعلق بمصير أبنائهم من الجنود بالرغم من مرور عام على توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار بين إريتريا وإثيوبيا.
أمام مشكلاتها، تستعيض الحكومة الإرترية بالقوة عن المفاوضات منذ عام 2000 حتى 21 مارس 2013، حيث وقع انقلاب عسكري احتلت فيه قوة منشقة من وزارة الدفاع الإرترية مبنى وزارة الإعلام لكن النظام تمكن من مواجهتهم.
كوبا، لا نية لإصلاح سياسي خشية التدخل الأمريكي
الأخوان راؤول وفيديل كاسترو
قاد فيديل كاسترو عملية تحويل كوبا إلى النظام الشيوعي ونظام حكم الحزب الواحد عبر ثورة عسكرية عام 1959، وأسس فيديل لحزبه الشيوعي الكوبي، وعرفه في الدستور على أنه " القوة العليا الرائدة في المجتمع والدولة".
حكم فيديل كوبا نصف قرن تقريبا وتسلمها عنه أخوه الأصغر راؤول كاسترو (80 عاما) بعد تدهور صحته عام 2008.
أعلن الرئيس الكوبي راؤول كاسترو رفضه التعددية الحزبية كثيرا واعتبرها حصان طروادة للإمبريالية الأمريكية للتدخل في الشأن الكوبي، فوسط دعاو مستمر لإصلاح النظام السياسي وخطط سابقة لوضع حدود لفترات الرئاسة والحد من سن كبار المسؤولين لكن الحزب تراجع عن خطته التي "قد يطبقها تدريجيا" مع البقاء على انفراد الحزب الشيوعي بالحكم وخيب آمالا بإمكان تسلم جيل جديد قيادة الحزب والبلاد قريبا بعد تصريح كاسترو، بافتقار كوبا لقادة شبان.
على مدى نصف قرن تعرضت كوبا لضغوط اقتصادية وتجارية من أمريكا للتضييق عليها وتتهمها اليوم كوبا بتمويل المعارضة الكوبية التي تهدف لإنهاء عهد الحزب الواحد وتحاول الحصول على حقها في التعبير.
مقابل ذلك يقوم كاسترو ببعض الإصلاحات الاقتصادية وزيادة معدلات النمو مستندا على أمرين أولهما: حملته ضد الفساد وتولي الحزب جهود كافة مؤسسات الدولة للعمل ضد المعارضة. والأمر الثاني: انفراده بالبرلمان وحصد آل كاسترو كافة مقاعد الجمعية الوطنية بعد الانتخابات الأخيرة والتي حققت نسبة إقبال واسعة تجاوزت 90% بعد إقصاء قوى المعارضة مع أهمية الدورة التشريعية الأخيرة لتوضيح رغبة الحاكم الحالي في التغيير السياسي أم لا.
فيتنام، دولة اقتصادية منفتحة وشيوعية محافظة
هوشي منه
هزمت القوات الشيوعية الفيتنامية فرنسا عام 1945، بعد احتلال استمر فترة طويلة من القرن التاسع عشر، ورغم إعلانها الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية، انقسمت فيتنام إلى شمال شيوعي وجنوب ملكي موالٍ للغرب، حتى سيطرة الشيوعيين على الجنوب بعد الحرب الفيتنامية الأمريكية.
وأعيد توحيد البلد تحت السيطرة الشيوعية وتشكلت جمهورية فيتنام الاشتراكية في أبريل 1975، وعلى مدار أربعين عاما تحولت فيتنام إلى "صين صغيرة" مع تقدمها الاقتصادي، إلا أن الحزب الشيوعي الحاكم في فيتنام دأب على استخدام الحرب كمبرر لشرعنة تمسكه بالسلطة.
جمعت فيتنام بين كونها دولة اقتصادية وشيوعية محافظة يحكمها رئيس الدولة والحكومة ورئيس الحزب الشيوعي، يرجع الاستقرار السياسي بفيتنام إلى قوة "الحزب الشيوعي الفيتنامي" بكثير من الإصلاحات الاقتصادية والقليل من السياسية، فهناك إحساس متزايد بأهمية التحول للديمقراطية على مستوى القيادة، مع تحرك بطيء نحو نظام أكثر انفتاحا وشفافية، "لكن في إطار حكم الحزب الواحد". ولا تعود مطالب الفيتناميين لمزيد من الحريات السياسية فقط إلى نمو الطبقة الوسطى في البلاد، بل أيضا إلى تعدد الأعراق في البلاد، الأمر الذي يحتم قوانين تحمي وتحترم حريات وحقوق الأقليات العرقية في دولة تحترم الديانات التقليدية فقط.