أثارت وسائل الإعلام العراقية والعربية موضوع احتمالية منع دخول كاظم الساهر إلى الكويت من أجل إقامة حفل فني ضمن نشاطات دعم العراق لإعادة إعمار المناطق التي دمرها الإرهاب؛ حيث تضاربت المواقف المؤيدة والمعارضة لدخول كاظم الساهر لدولة الكويت.
أجرت دار الأوبرا الكويتية استبياناً عبر موقعها في إنستغرام، استطلعت فيه رأي الجمهور الكويتي حول الفعاليات التي يودون رؤيتها، للموسم الذي يبدأ من شهر سبتمبر/أيلول 2017، وينتهي في أبريل/نيسان 2018، وكانت النتيجة أن غالبية الأصوات صوّتت لصالح 5 مطربين عرب هم: فيروز، وعبد الكريم عبد القادر، وكاظم الساهر، وحسين الجسمي، ونانسي عجرم.
نتيجة الاستبيان دفعت وسائل إعلام كويتية للاستنتاج أن كاظم الساهر سيقيم حفلاً في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي الشهير بدار الأوبرا، بعد غياب 28 عاماً، الأمر الذي دفع أوساطاً برلمانية وشعبية لرفض وجود الساهر على الأراضي الكويتية، معلّلين ذلك بأنه من داعمي نظام صدام حسين، وأنه من مؤيدي غزو العراق للكويت.
ومن الجدير بالذكر أن السبب الرئيسي للمنع لا يتعلق بصورة مباشرة بجنسية كاظم وإنما بسبب مواقفه العلنية من النظام البائد وشخص صدام حسين تحديداً.
كما قد تزامن هذا الموضوع مع ذكرى حرب الخليج الثانية عندما اجتاح الجيش العراقي دولة الكويت في 2 أغسطس/آب 1990. وهنا قد يتساءل أحدهم: هل يحق للكويتيين رفض دخول كاظم الساهر؟ الجواب عليه يكون بسؤال آخر مفاده هل لا يحق لهم استذكار الويلات والخسائر الجسيمة التي تكبَّدها الشعب الكويتي بسبب الطاغية صدام؟
في هذا المقال لا نود الدخول في تفاصيل معقدة عن أسباب اتخاذ النظام السابق لقرار اجتياح الكويت، إلا أنه من المؤكد أن هذا الفعل يتعارض مع القانون الدولي ومبدأ حسن الجوار، على أثره تعرض الشعب الكويتي إلى خسائر كبيرة بشرية ومادية يستحضرونها في أنفسهم ومجالسهم كلما رجع بهم الوجدان لتلك الحقبة التاريخية، فكيف للعراقيين أن يطالبوهم بنسيان كل هذا؟! وكيف للمرأة الكويتية أن تنسى ابنها أو حفيدها أو زوجها أو أخاها وهو مفقود لليوم بسبب صدام حسين؟! وبين تلك اللحظة وغيرها يأتي أشخاص آخرون سواء كانوا عراقيين أم من جنسيات أخرى ليفندوا هذا الحق ويدافعوا عن صدام حسين.
ولماذا يستمر الشعب الكويتي وإن كان ذلك بنسب متفاوتة في حمل كل هذا الكم من المشاعر السلبية لكاظم الساهر بعبارة أخرى للشعب العراقي؟
وبهذا الصدد، لا يهم ما يمتلكه الشخص من موهبة وإحساس فني راقٍ، قد لا يسعفه هذا الأمر عندما يتخذ موقفاً ما يخل بمشاعره الإنسانية وذاته الحضارية قبل كل شيء.
نعم ذاته الحضارية؛ لأنه يمثل شعباً عريقاً بحضارته وثقافته وامتداده الفكري والإنساني، ذات هذا الشعب الذي خرج منه صدام وقام بعدد من الأفعال الإجرامية تجاه أبناء شعبه وجيرانه.
ولكن يبقى السؤال: هل فعلاً دافع كاظم الساهر عن صدام حسين؟ وهل يحق للكويتيين تحميل العراقيين عواقب أو وزر أخطاء النظام السابق؟
للجواب على السؤال الأول، يتطلب الأمر الإشارة إلى المقابلة التي أجراها الإعلامي اللبناني نيشان مع الساهر، عام 2008، حينما سأله نيشان: هل كان مجبراً على الغناء لصدام؟ فنفى ذلك، مؤكداً "أن من يقول إنه كان مجبراً على الغناء لصدام أو لسواه من الحكام فهو مجرد إنسان يكذب".
كعراقي لم أشهد أو أسمع يوماً في الأوساط العراقية أن كاظم الساهر دافع يوماً عن صدام أو تبنى موقفاً لا إنساني وهنا أستشهد بردّه الأخير على الاتهامات حول طبيعة علاقته مع صدام بقوله: "أنا كاظم نفسه الذي عرفتموه منذ سنين لم أتغير، ولا اهتمامات لديَّ سوى الفن الجميل ونشر الصفاء والسلام والمحبة والود والفرح"، إلا أن كاظم لم يحالفه التوفيق في الإجابة عن الأسئلة التي وجهها له نيشان في برنامج العراب، بل وكان شغوفاً في الدفاع عن صدام حسين ونظامه بوصفه نظاماً عادلاً حقق الاستقرار للعراق.
على الرغم من هذه التصريحات السياسية والنادرة في مسيرة العملاق كاظم الساهر فإنها تؤثر بشكل أو بآخر على شعبيته حتى وإن كان هذا الأمر بنسبة محدودة وضئيلة.
وفيما يخص السؤال حول استمرار المشاعر السلبية للكويتيين تجاه العراقيين، حيث تابعت عدداً من البرامج الكويتية التي أجرت استطلاعاً للرأي في الشارع الكويتي حول موقفهم من استضافة الساهر.
وجاءت الإجابات متفاوتة بعضها يرفض استضافة أي فنان عراقي في الكويت والبعض الآخر يرفض أية علاقة مع العراق وكثير منهم استذكر ذكرياته مع الاجتياح العسكري العراقي للكويت، واستحضروا من مخيلتهم صور أحبابهم الذين فقدوهم في حرب الخليج.
إلا أن النسبة الأكبر رفضت دخول كاظم الساهر تحديداً ولأسباب تتعلق بموقفه من الاجتياح والتغني ببطولات صدام حسين، حيث أشار حمد العازمي في مقالة منشورة في صحيفة الرأي الكويتية إلى أن كاظم الساهر غنّى لصدام أغنية "عبرت الشط" على أثر الاجتياح، مؤكداً أن الساهر قام بذلك بمحض إرادته.
وجدير بالذكر أن الساهر قد غادر العراق في منتصف التسعينات هرباً من بطش النظام البائد والمعاملة السيئة التي كان يعامل بها وفقاً لكتاب "كنت طبيباً لصدام" للدكتور علاء بشير.
باختصار، يلاحظ تصاعُد حدة الأصوات التي تلعب دوراً سلبياً في توتر العلاقات بين الشعبين الشقيقين، لا سيما على المستوى غير الرسمي؛ حيث برز عدد من الأصوات الإعلامية العراقية التي تقلل من حجم الكويت وتعتبرها صغيرة قياساً بالعراق العظيم، متناسين حجم الدمار الذي لحق بهم بسبب العراق، كما ما زالت الذات الشعبية (وإن لم تكن بالمطلق) تفكر بالكويت بوصفها المحافظة التاسعة عشرة، متناسين بذلك حجم المعاناة التي يعانيها الشعب العراقي من ظروف نقص الخدمات وتنامي خطر الإرهاب، الأمر الذي يجعل وحدة العراق في خطر محدق كما هو الحال في المطالب الكردية للاستقلال.
في الوقت ذاته، كثيرة هي الأصوات الكويتية المتعصبة لا سيما التي تظهر في وسائل الإعلام حتى على العراقية منها، والتي تسيء للعراق وشعبه.
وعلى الرغم من التطور السياسي الملحوظ الذي تشهده العلاقات العراقية – الكويتية في العقد الأخير فإن تأثيرها محدود على الدبلوماسية الشعبية؛ حيث لا يزال الشعبان يعانيان من رواسب سياسات الديكتاتور صدام، الأمر الذي أثّر سلباً في تحجيم التواصل بينهما.
وفي سياق هذه المعطيات، من الجائز إلقاء اللوم على كاظم الساهر على ما ورد في مقابلته مع العراب عام 2008، إلا أن هذا لا يعني أن الساهر يؤيد الأعمال الإجرامية التي قام بها النظام البائد بحق الشعب الكويتي، ولا يختصر المشكلة في منعه من الدخول.
في المقابل لا يمكننا أن نلوم الشعب الكويتي على ردة فعله نتيجة للتجربة المريرة التي خاضها من جراء الاجتياح.
في الوقت ذاته لا يمكن أن يتحمل الشعب العراقي بصورة مطلقة المسؤولية التاريخية عن هذا الفعل، وعلى وسائل الإعلام في كلا البلدين لعب دور إيجابي في تعزيز روح التقارب بين الشعبين الشقيقين والتخلي عن لغة التصعيد والوعيد والتنكيل بالآخر؛ حيث يلاحظ أن بعض وسائل الإعلام في كلا البلدين تلعب على هذا الوتر.
لذلك من المهم المضي قدماً في سياسة الانفتاح والتقارب التي تتبناها القيادة السياسية لكل من العراق والكويت بعد 2003 لتعظيم الفائدة من الإنجازات الدبلوماسية المشتركة الأخيرة التي تحققت على صعيد الأمم المتحدة التي مهّدت الطريق لإنهاء السواد الأكبر من المسائل العالقة بين البلدين، والعمل على تعزيز فرص الدبلوماسية الشعبية من خلال إقامة النشاطات الثقافية المتنوعة التي تعكس روح المحبة والسلام التي ينشدها العراق الجديد للعالم والمنطقة بصورة خاصة، وعلى وسائل الإعلام والسياسيين في العراق مسؤولية كبيرة تجاه الشعب الكويتي، من خلال التأكيد على احترام سيادة دولة الكويت ونبذ كل ما يتعلق بأحداث 1990 مواساةً واحتراماً للتضحيات الجسيمة التي تكبَّدها الشعب الكويتي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.