"المرحاض: قصة حب"، إنه ليس عملاً عن التغوط؛ بل عن طريقتنا في التفكير بأكملها"، هكذا وصف الممثل الهندي أكشاي كومار فيلمه الجديد المثير للجدل، والذي صدم اسمه الجماهير.
"Toilet: A Love Story" أو (المرحاض: قصة حب)، يتناول مشكلة التغوط في العراء التي تعانيها الهند، ولكن المفارقة أن الانتقادات للفيلم لم تأتِ بسبب غرابة موضوعه، ولكن بسبب طابعه التلقيني الذي جعله يبدو جزءاً من حملة دعائية حكومية، حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية عن غرائب السينما الهندية.
لا يغيب عن الفيلم السمات التي تشتهر بها بوليوود، من الرومانسية وأغاني الحب، مثلما يشير الجزء الثاني من عنوانه، إلا أن القضية الرئيسة للفيلم -وهي التغوط في العراء- لم يتناولها أي فيلم هندي من قبل.
هذه مشكلة هندية فريدة؛ إذ تُقدر العديد من الدراسات نسبة السكان الذين لا يمكنهم الوصول إلى الحمامات في الهند بنحو 60% من السكان، البالغ عددهم مليار نسمة.
وبالنسبة للنساء، فإن هذا لا يتعلق بالصحة العامة فقط؛ بل بالأمان والخصوصية والاستقلال كذلك.
قصة الفيلم
يلعب كومار دور كيشاف، القروي الذي يتزوج امرأة متعلمة تُدعى جايا.
ترفض جايا مشاركة نساء القرية في رحلتهن اليومية إلى الحقول مع شروق الشمس للتغوط. ورغم حبها كيشاف، فإنها ترفض العيش معه إلا إذا وجد حلاً لقضية الحمام. وهو ما يدفع كيشاف لتحدي والده المتطير وعجائز القرية.
يختلف الفيلم عن قصص الحب الرومانسية التقليدية في بوليوود. فعلى الرغم من التنوع الموجود في بووليود حالياً، فإن صيغة الأفلام الهندية تميل إلى استخدام النجوم والأغاني وانفطار القلب وقيم العائلة وانتصار الحب.
ويرى شريا نارايان سينغ، مخرج الفيلم، أن الجماهير تفضل الفانتازيا، قائلاً: "بالنسبة لي، كان الجانب الأكثر صعوبة هو كيفية إيصال رسالة وقف التغوط في العراء بطريقة ترفيهية".
تَمثَّل الجواب لدى صناع الفيلم في الفكاهة والأغاني والميلودراما والكثير من الوعظ. ولكن، فيلم Toilet: A Love Story تعرض للعديد من الانتقادات التي وصفته بكونه ترويجاً للدعاية الحكومية.
فرئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، يدعم حملة "الهند النظيفة" بنفسه.
إلا أن تقرير "الغارديان" لفت إلى أن المشاهدين كانوا على استعداد للتغاضي عن التوجهات السياسية الواضحة التي حملها الفيلم؛ إذ نجح الفيلم في تحقيق نحو 10 ملايين جنيه إسترليني في الأيام الستة الأولى التي أعقبت صدوره.
المفاجأة أن بطل الفيلم سيتناول في فيلمه القادم قضية لا تقل غرابة، وهي النظافة الشخصية في أثناء الطمث.
فكومار سيشارك في عام 2018 بفيلم Padman، الذي يعيد رواية قصة الناشط الاجتماعي أرونشالام ميورغانانثام (Arunachalam Muruganantham) بشكل روائي، والذي أحدث ثورة بعادات النظافة الشخصية في أثناء الطمث بالمناطق الريفية في الهند، عن طريق صناعة ماكينة لإنتاج الفوط الصحية بتكلفة زهيدة.
وكومار ليس هو الوحيد الذي يتخذ خيارات غير عادية في أفلام بوليوود. فإذا كانت الجماهير الهندية لا يمكنها أن تنتظر فيلم بادمان (Padman) وآلات الفوط الصحية التي يحويها، فإنها يمكن أن تتعاطى مع حقيقة أنه ما هو إلا شهر واحد حتى يظهر الممثل والمغني أيوشمان خورانا في "شوبه منغال سافدهان" (أنت وأنا وكل شيء بيننا)، ويؤدي دورَ شخصية تعاني ضعف الانتصاب، وهو موضوع نادراً ما تستعرضه السينما الهندية.
ويبدو هذا خياراً محفوفاً بالمخاطر بشكل خاص؛ نظراً إلى تقاليد بوليوود القديمة في استعراض البطولات الرجولية، والرجال الفحول.
ولكن خورانا يبدو أنه غير عابئ بهذا الأمر، فيقول: "في هذا العصر، يجب أن يكون موضوع الفيلم جديداً.
وعلى البطل أن يكون متصلاً بأرض الواقع". ويستشهد في حديثه بعامر خان وأكشاي كومار باعتبارهما مصدر إلهام، منوِّهاً بنجاحهما ليس فقط في تحدي القيود التي وُضعت عموماً على البطل، ولكن لإظهار أن مثل هذا النهج يمكن أن يكون ناجحاً نجاحاً تِجارياً.
ويقول أناند راي، أحد منتجي فيلم "ضعف الانتصاب"، إنه يشعر بأنه من واجبه تقديم هذه القضايا إلى الصدارة.
ويتابع قائلاً: "لقد انحدرتُ من عائلة تقليدية من الطبقة الوسطى. وأنا وجمهوري ينحدر كلانا من الطبقة المتوسطة نفسها. ولطالَما رأينا الطبقة الوسطى متحفظةً دائماً، ولكن الأمور تغيرت".
ويعتقد راي أن الجماهير تخطت الآن حاجزَ الخوف من أنْ تُضعِفَ التأثيراتُ الغربيةُ، لا سيما موقفها الأكثر انفتاحاً تجاه الجنس، من جوانب الثقافة والأخلاق الهندية. وفي هذا يقول: "لنا هويتنا الخاصة بنا، ولسنا خائفين".
ليست هذه المرة الأولى لخورانا التي يقدم فيها موضوعاً حساساً. ففي عام 2012، قدم أول أدواره التمثيلية مع صانع أفلام آخر يسعى إلى مواضيع شائكة اجتماعياً.
فقد قدمه شوجيت سيركار في دور متبرعٍ بالحيوانات المنوية في فيلم "فيكي المانح" (Vicky Donor).
وبعد 4 سنوات، ذهب سيركار إلى المشاركة في كتابة وإنتاج فيلم "بينك" (Pink)، وكان نجاحاً تجارياً وحاسماً.
ويحكي الفيلم قصة 3 فتيات يخرجن في ليلة مع رفقائهنّ الذكور الذين يصبحون عدوانيين جنسياً. فتدافع إحدى الفتيات عن نفسها عن طريق مهاجمة الرجل بزجاجة، فتكاد تُعمِيه، ثم تجد نفسها في المحكمة تواجه تهمة الاعتداء.
وتقع أحداثُ النصف الثاني من فيلم بينك بشكل كامل تقريباً في قاعة المحكمة، ويتميز الممثل المخضرم أميتاب باتشان في دور محامٍ يدافع عن الفتيات ويؤكد للمعتدين والجمهور أن كلمة "لا" تعني "لا" (في إشارة إلى حق الفتاة في قول: لا).
ليسوا رواداً
يصر سيركار على أن جيله ليس الأول في تناول القضايا الاجتماعية؛ إذ يقول: "إن أفضل ما عرضته السينما الهندية أخرجه الأساتذة، فقد عالجوا الطائفية، والمساواة بين الجنسين، والفقر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وحتى السبعينيات منه. إنني فقط في نهاية السلسال أحاول أن أجمع شيئاً".
كان فيلم "أكهوت كانيا" (المرأة المحظورة) أحد أفلام البواكير الرائعة في السينما الهندية؛ إذ يروي الفيلم قصة حب ممنوع من عام 1936 حول صبي من طبقة البراهمة وفتاة من طبقة المنبوذين.
وبعد عام واحد من إنتاج هذا الفيلم، أخرج المخرج الهندي جي فانترام فيلمه الرائد "المباغتة"، ويروي قصة فتاة صغيرة تدعى نيرمالا أُجبرت على الزواج بأرمل كهل ولديه أبناء في عمرها.
ورفضت الفتاة في الفيلم إتمام الزيجة، قائلة إنه بينما يستطيع المرء تحمُّل المعاناة، ينبغي أن يواجَه الظلم. وفي النهاية، جعلت نيرمالا زوجها يتفهم خطأه الشنيع. ليقتل نفسه، ويحثها على الزواج برجل صغير.
تلا ذلك استكشاف المخرجين في الخمسينيات القضايا التي تواجه الدولة المستقلة حديثاً؛ إذ يعد فيلم "أمنا الهند"، للمخرج محبوب خان، علامةً في هذا المنحى، وهو أول فيلم هندي يرشَّح للأوسكار ، وخلد كواحد من أهم 100 فيلم في القرن العشرين، وفق تصنيف مجلة "إمباير" اللندنية.
ويحكي قصة "راداه" المرأة التي ترمز إلى "الأم الهند" والتي هجرها زوجها وتصارع الإقطاعي المرابي الذي يحاول الاستيلاء على أرضها، ويعرض عليها الزواج مقابل أن يتنازل عن قرضه لها، لكنها تنهره وتختار أولادها.
يقول جيان براكاش، الأستاذ في تاريخ الهند المعاصر بجامعة برنستون في الولايات المتحدة: "كانت هذه الأفلام مدفوعة بنظرة أوسع للمجتمع. فقد عرضت الفساد الاقتصادي والأخلاقي، ونفاق الطبقة الوسطى، والبطالة، والفجوة بين الأغنياء والفقراء.
ويضيف: "وقد أُنتجت هذه الأعمال ودُفعت إلى الواجهة من خلال الموسيقى والتصوير السينمائي. ولكن الأهم أن أياً منها لا يبدو كأفلام الإعلانات العامة، مثلما هو الحال مع كثير من أفلام اليوم"، حسب "الغارديان"، التي تعلق قائلةً: "بكل تأكيد، قد يكون فيلم (مرحاض: قصة حب) ذا شعار عظيم، إلا أنه بالكاد يمكن اعتباره عملاً سينمائياً عظيماً".
وتواصِل انتقاداتها له، قائلةً إن الإقحام الصارخ في الفيلم للمؤسسات الحكومية يؤكد حقيقة غير مريحة؛ وهي أنه قد يكون الممثلون والمخرجون الحاليون متحمسين لاختبار حدود السينما الهندية، إلا أن ثمة موضوعاً واحداً لا يزال محظوراً: وهو السياسة، ولاسيما أي نقد يوجه إلى السياسات الحكومية.
ويقول براكاش: "لا مفرَّ من أن يؤدي مقصّ الرقابة دوره مع أي إشارة إلى أي من الرموز السياسية الحية أو الميتة".
يتفق سيكار في هذا، ويقول "لن يكون لدينا ديمقراطية حقيقية إلا عندما أستطيع أن أقف وأنتقد".