تناقلت وسائل الإعلام الخبر التالي: "أعلنت الهيئة التنظيمية للمجلس التأسيسي للنظام الفيدرالي لروج آفا – شمال سوريا، يوم السبت ( 2 – 7- 2016 ) عن شكل ومضمون العقد الاجتماعي (الدستور) للفيدرالية.. بعد اجتماع 150 شخصا في بلدة رميلان "ومن أجل الإحاطة الموضوعية بالخبر – الفقاعة كما غيره من الإشاعات المثيرة التي تغطي مشهد بلادنا من أقصاه إلى أقصاه لا بد من جولة سريعة في تعريف بعض المسميات والتعبيرات المستخدمة في عملية لصق ورتق حق أريد به باطل والكشف عن أسسها الهشة.
أولاً – الكرد كغيرهم من المكونات السورية الأخرى تعرضوا للهجرة والتهجير القسري والنزوح، وغادر معظمهم مناطقهم وأماكن سكناهم لأسباب متنوعة بعضهم الخشية من غدر النظام والملاحقة الأمنية، والبعض الآخر وهو الأكثر عدداً من سطوة وعدوان سلطة الأمر الواقع لصاحبها – ب ي د – والقسم المتبقي هروباً من الحصار الاقتصادي وغلاء الأسعار وانعدام الأمن والأمان.
ويمكن القول إن نسبة هذه العينات الثلاث الغائبة عن الوطن من مناطقها في الجزيرة وعين العرب – كوباني وجبل الأكراد – عفرين – وحتى في أماكن الشتات الكردي بمدن وأرياف حلب ودمشق واللاذقية تزيد على 65% وجلها من الناشطين الشباب والتيارات الوطنية والمناضلين والمنتجين؛ لذلك فإن أي مشروع يعلن في المناطق الكردية مهما كان براقا ومن أي طرف كان لن يحظى حالياً برضا الغالبية الشعبية ومباركتها.
ثانياً – من هي "الهيئة التنظيمية للمجلس التأسيسي للنظام الفيدرالي"؟ وما هي مشروعيتها القانونية وشرعيتها السياسية حتى تعلن وتقرر مصير شعب بكامله؟ والجواب أنها منبثقة من حزب – ب ي د – ومطعمة من عناصر من أصول وانتماءات غير كردية وغير مسلمة، وهي سهلة المنال في كل مكان، على أية حال، أما كيف يسمح حزب طارئ على الساحة الكردية السورية لا صلة له بتاريخ الحركة الوطنية الكردية بمثابة فرع لحزب خارجي ( ب ك ك ) أن يقدم على مصادرة إرادة شعب، بل ينصب نفسه وصيا ليس بالإقناع بل بالإذعان، فهو أمر يمكن فهمه عندما يختلط الحابل بالنابل في بلادنا ويفلت الإرهاب من عقاله، وينعدم الشعور بالمسؤولية، ويسخر كل شيء لأيديولوجيات التعصب الحزبوي والتخندق العنصري والمذهبي التي تقف من ورائها وتنشطها أنظمة دمشق وطهران ومراكز القوى في بغداد، وترعاها الطغمة الحاكمة بموسكو.
ثالثاً – نظرية العقد الاجتماعي التي كانت من إفرازات الثورة الفرنسية العظيمة ومفكري عصر النهضة يتم التلاعب بها من جانب مائة وبضعة أشخاص من أصل ما يقارب الثلاثة ملايين، فهي جاءت لترسخ التفاهمات بين الطبقات الاجتماعية وجماهير المدينة والريف والمحكومين والحكام، وتحدد وسائل العيش المشترك والقوانين المدنية الضامنة المعلنة لحقوق الجميع، وسن الدستور الفاصل للحقوق والواجبات والمواطنة المتساوية في ظل السلام والوئام.
أما ما حصل في – رميلان – فيشكل عارا على كل التراث الثوري الإنساني؛ حيث لا شعب يقرر مصيره عبر ممثليه المنتخبين الشرعيين، ولا حوار بين ممثلي طبقات اجتماعية حيث الطريقة – البولبوتية – متبعة، ولا بين الشعب من خلال قواها الوطنية والديموقراطية وثورته من جهة والنظام الديموقراطي – المفقود – من الجهة الأخرى.
رابعاً – بسبب انعدام المناعتين القومية والوطنية لدى حزب – ب ي د – واصطدامه بالجدار المسدود وسقطات نهجه – اللانهج – وضياعه بين تعدد مراكز القرار التي تسيره وتقوده من فشل ذريع الى آخر، وبعد ضياعه بين تبعية النظام وايران وخيارات موالاة روسيا وأميركا وتورطه في الفتن الداخلية بإقليم كردستان العراق ومغامراته في سنجار وشبكة علاقاته مع الحشد – الشيعي – وما يحيط بها جميعا من تبدل سريع في السياسات وتفاقم في الصراعات، فإنه لا ينفك يغامر ويغالي ويجنح نحو التطرف في مواقفه وسياساته، بل يخطو تجاه اتخاذ المواقف غير المسؤولة والمتسرعة في سباق محموم مع الزمن الذي لن يكون لصالح ممارساته وخط سيره.
خامساً – ان النهج المدمر الذي ينتهجه هذا التيار المغامر قد أساء إلى مبادئ ومسلمات الحركة الوطنية الكردية المعمول بها منذ ما يقارب القرن من الزمان فهو من أراد تشويه الكثير من قيمها النضالية وشعاراتها المنبثقة عن خبرة أجيال وتاريخ طويل من التضحيات والمعاناة، والتيار هذا المنتشر في أكثر من جزء وموقع ومراكز يسعى إلى تغيير الجوهر الحقيقي المشروع لثوابت ومبادئ كانت وما زالت تشكل القاعدة والمنطلق للنضال الوطني الكردستاني عبر الحوار السلمي والتفاهم والتوافق مع شركاء المصير.
فبين الفينة والأخرى يسعى التيار المغامر إلى (مؤتمر قومي) مثلا لخدمة مصالحه وأسياده من قوى إقليمية برعاية إيران، وتغييب الآخر المختلف أو توليف – فيدرالية – مصطنعة من نوع غريب لا تتعدى حدود تحزبه ومفاهيمه القاصرة وآلهته السماوية الخيالية والأرضية الزائلة جنبا إلى جنب رفض مبدأ حق تقرير مصير الشعوب، ذلك المبدأ الأزلي الذي تبنته وثائق الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وشرعة حقوق الإنسان، ولعلم شركائنا في الوطن فإن هذا التيار يقدم حتى على تغيير وتشويه لغتنا ومفردات قواعدها، ناهيك عن قواعد التعامل الاجتماعي نحو – البولبوتية – كما ذكرنا آنفاً.
سبق أن أكدنا مرارا ونؤكد الآن أن أي حل للقضية الكردية في سوريا يجب وبالضرورة أن يقترن بأسباب وشروط، من أهمها: الإجماع الكردي حول صيغة الحل، وكذلك التوافق الوطني مع الشريك العربي ووجود نظام ديمقراطي لضمان ذلك الحل في الدستور والقوانين.
وأخيراً نتوجه إلى بعض الصحفيين العرب ممن يضخمون الأمور ويجتازون حدود المهنة وأخلاقياتها عندما يسردون قصصاً ملحمية طويلة من وحي خيالاتهم، ويعتبرون أن ما تم في – رميلان – هو قرار وطني كردي سوري مجمع عليه برضا ودعم دوليين؟! وليعلم هؤلاء أن ذلك ما هو إلا محض رياء من جهة، إلى جانب أنه تحريض مكشوف لضرب الكرد وحرق مناطقهم وإبادتهم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.