سجن الروتين والحياة المملة

كم تعددت السجون في العالم، وتنافست في حصانتها وأعدادها، ولكننا تجاهلنا جميعاً ذلك السجن الأقوى من تلك جميعها، هو سجن معنوي وغير مرئي، ولكنه في وجوده وحضوره أقوى من أيّ سجن بُني على هذه الأرض، هذا السجن بنيناه بأفكارنا وأفعالنا، إنّه سجن الروتين!

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/26 الساعة 04:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/26 الساعة 04:03 بتوقيت غرينتش

كم تعددت السجون في العالم، وتنافست في حصانتها وأعدادها، ولكننا تجاهلنا جميعاً ذلك السجن الأقوى من تلك جميعها، هو سجن معنوي وغير مرئي، ولكنه في وجوده وحضوره أقوى من أيّ سجن بُني على هذه الأرض، هذا السجن بنيناه بأفكارنا وأفعالنا، إنّه سجن الروتين!

فكم من مرّة شعرت بالملل من الأفعال الروتينية التي تقوم بها كلّ صباح، من واجباتك ومهامك التي عليك القيام بها سواء كنت طالباً أو موظفاً أو مديراً أو زوجاً؟!

كلّ تلك الأفعال التي تكررها كل يوم تبعث على الملل والضّيق والشعور بأنك أسير لتلك الأحداث والأفعال، وهو ما يسمى الروتين.

أن تكون أسيراً للروتين، يعني أن تقتل نفسك ببطء، وأن تفقد لذّة الحياة وجمالها، أن تضيع أيّاماً طويلة في التفكير بهذا الأسْر، أن تفقد حيويتك وأملك.

نعم، كل هذا وأكثر يحدث إذا اعتبرت نفسك أسيراً للروتين، ولاحظ عبارة "اعتبرت نفسك"، أي أنك أنت مَن تضع نفسك بهذا السجن، والأغرب من ذلك أّنّ مفتاح هذا السجن بيدك، وبإمكانك الخروج منه بمجرّد أن تدير هذا المفتاح بباب هذا السجن الوهمي.

والآن قد تتساءل عن كُنه هذا المفتاح والمكان الذي قد تجده فيه، إلا أنني أقول لك بأنّ المفتاح يرقد داخل عقلك، وأنا وأنت سنقوم بالبحث عنه الآن معاً.. مستعد؟.. هيّا.

أولاً: اجلس في مكان مريح بعيداً عن ضوضاء الحياة التكنولوجية والعملية جميعها، ثم فكّر قليلاً في مستقبلك، هيا فكّر بالأحلام التي لطالما حلمت بتحقيقها، ثم عُد إلى واقعك، وانظر إلى موقعك في المجتمع كطالب أو موظف أو أي شيء آخر، ولاحظ أن الأعمال والوظائف التي تقوم بها يومياً ما هي إلّا سبيل لوصولك إلى هدفك، فإذا كنت طالباً في المدرسة، تذكّر أن هذه المواد الدراسية المملة التي تدرسها حالياً ستوصلك إلى التخصص الذي تريده في الجامعة ومن ثمّ إلى وظيفتك، وإذا كنت موظفاً فاعلم أن هذا العمل الذي تقوم به بإخلاص سيجعلك يوماً ما تترقى لأن تصبح مديراً، هذا هو الطريق الأول للوصول إلى المفتاح "أن تتذكر أهدافك وأحلامك وتجعلها حافزاً لك".

ثانياً: أغمض عينيك وفكّر بأن كل تلك الأعمال هي عبارة عن العالم، فالـ7 مليارات التي تعيش على هذه الأرض تقوم بمثل ما تقوم أنت؛ لذلك اعلم أن هذه هي الحياة، وأي شخص آخر لا يقوم بتلك الأفعال التي نقوم بها يومياً من (أكل، شرب، عمل، نوم… إلخ) لا يعتبر إنساناً طبيعياً.

ولا تنسَ أن كل يوم يمر من عمرك هو ذاهب دون عودة، وستندم مستقبلاً إن ظللت تفكّر بملل حياتك ونسيت أن تبدع وتقوم بالمزيد من الأشياء قبل أن يفنى عمرُك وقبل أن تترك بصمة في هذه الحياة؛ لذا فكّر بجمال الحياة وحاول أن تبدع أكثر وتقوم بالمزيد من الإنجازات التي تدعم ثقتك بنفسك وتحفزك على المزيد من النجاح.

ثالثاً: حاول أن تكسر الروتين، فأنا لا أقول لك بأنه لا يوجد شخص على هذه الأرض لا يمل من القيام بأعماله؛ لذا قُم بعمل شيء جديد، كأن تتخذ لنفسك هواية جديدة، أو تخرج مع أصدقائك أو عائلتك إلى مكان لم تذهبوا إليه من قبل، أنت أعلم بما يجعلك تشعر بالمتعة؛ لذا قُم به فهو أجدر بأن يخرجك من حالة الروتين تلك.

رابعاً: لا تنسَ العودة إلى ربّك، فإذا كنت مسلماً فحاول الالتزام بالصلاة إن لم تكن ملتزماً بها، وإن كنت فحاول الخشوع فيها وتأديتها على أكمل وجه، وحاول الاستماع إلى القرآن بصوت شيخ تحبه وتستريح لسماع صوته، أما إن كنت مسيحياً أو من أي ديانة أخرى فحاول القيام بصلواتك الخاصة بديانتك، فكل تلك الأعمال الروحية من شأنها أن تشرح صدرك وتُشعرك بالراحة.

حسناً، وبعد أن قمت بعمل هذه الأشياء، بإمكاني أن أقول لك: تهانينا لأنك وجدت المفتاح، وبإمكانك الآن الخروج من هذا السجن، وتذكّر دوماً أن بيدك سجنَ نفسِك وبيدك أيضاً إطلاق حريّتها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد