منذ سنوات، حكت لي إحدى السيدات عن موقف حدث بينها وبين امرأة ألمانية عندما كانت تدرس في ألمانيا، رأت المرأة الألمانية تلك السيدة تمشي ويسبقها زوجها بخطوات عدة، تعجبت وسألتها: "لماذا لا يحترم الرجل العربي امرأته إلى هذا الحد لدرجة أن يسبقها في الطريق غير مبالٍ بحقها في السير بجانبه! الآن عرفت لماذا لا يوجد احترام بين الرجال والنساء في العالم العربي!".
تلك المرأة محقة في استنتاجها، فما زال الرجل في بعض مجتمعاتنا العربية ينظر إلى المرأة نظرة دونية، هو لا يحترمها ولا يعتبرها جديرة بما وصلت إليه، هو يريدها امرأة "تفصيل" على مقاسه بمواصفاته الخاصة التي يحلم بها كأنثى فقط لا كإنسانة كاملة.
وبالرغم من التطور الكبير الذي حدث في وضع المرأة في الوطن العربي في السنوات الأخيرة، وما نالته المرأة في بعض البلدان العربية من حقوق ومميزات كانت إلى وقت قريب من قبيل المحرمات، حيث في بعض البلدان تُحرم المرأة من اختيار دراستها أو شريكها في الحياة، وتُحرم من أبسط حقوقها في ممارسة الحياة الطبيعية كقيادة السيارة أو الدراجة، أو اختيار ملابسها، أو الالتحاق بمهن تُعد حكراً على الرجال. وفي بلاد أخرى تنتشر جرائم القتل بدافع الشرف وفي معظمها يكون "الشك" هو العامل الحاسم في اتخاذ القرار وليس البينة أو الدليل!
إلا أن تلك الحقوق والمميزات لم تأتِ نتيجة تطور في عقلية المجتمع العربي ونظرته للأمور ولوضع المرأة، وإنما جاء التطور نتيجة لجهود المرأة العربية ونضالها الدائم في سبيل انتزاع حقوقها وحريتها.
هناك مجموعة من الأسباب دفعت الرجل العربي إلى تبني هذه النظرة السلبية للمرأة، بالرغم مما وصل إليه من تعليم وثقافة وتعرضه حتى لخبرات وثقافات مختلفة.
السبب الأساسي الذي يدفع الرجل إلى تهميش المرأة التربية الذكورية الخاطئة، فنحن معشر النساء العرب نخطئ في حق أنفسنا أولاً عندما نربي الذكور من أبنائنا على عدم احترام المرأة ونغرس فيهم أن المرأة مجرد متاع لخدمة الرجل. فالولد يرى أمه زوجة خاضعة تقوم بكل مسؤولياتها ومسؤوليات الأب دون تذمر أو كلل. يراها تتحمل الإهانات والمشقة كجزء من طبيعة الحياة الزوجية من المفترض عليها احتماله دون شكوى وكأن ذلك لا يُعتبر تجاوزاً في حقها. يرى أخته مكلفة بخدمته لأنه الذكر، وهو قادر على حرمانها من حقوقها؛ لأنه رأى أباه يفعل ذلك والأم تؤيده. وبالطبع يفترض أن تكون زوجته على غرار الصورة التي رأى عليها أمه وأخته ونساء العائلة! الرجل في المجتمع العربي يخطئ ويجد من يبرر له أخطاءه حتى الأخلاقية منها، ولكن الأخطاء نفسها إذا فعلتها المرأة تلقى أشد أنواع العنف والعقاب!
من الأسباب الرئيسية أيضاً التي أدت إلى تلك النظرة السلبية المفهوم الخاطئ للدين، فالخطاب الديني في بعض الدول العربية خاصة المحافظة منها لا يرى المرأة سوى عورة يجب إخفاؤها، صوتها عورة وملابسها عورة ومجرد خروجها من المنزل أو تعاملها مع الرجال فتنة! المرأة في تصورهم ليست إلا أداة لإشباع الغرائز أو وعاءً لتفريغ الشهوة ليس أكثر، لهذا انتشر التحرش والدعارة وزواج المتعة وزواج القاصرات. المرأة بالنسبة لهذا الفريق ليست إنسانة لها حقوق وعليها واجبات، ليس لها عقل يوازي عقل الرجل في التفكير والحكم على الأشياء، ومهما بلغت من التفوق العلمي أو النجاح المهني فهي "ناقصة عقل ودين"، بالمفهوم السطحي للعبارة!
ضعف الرجل العربي وسلبيته أيضاً من أهم الأسباب التي تدفعه دوماً لاحتقار المرأة وقهرها. فالضغوط التي يتعرض لها المواطن في بلادنا جراء الأزمات السياسية والاقتصادية والقمع والإحباط والعنف السياسي والمجتمعي تدفعه دوماً لإسقاط ضعفه وإحباطاته على الطرف الأقرب إليه، والذي يعتبره الحلقة الأضعف ألا وهي المرأة، سواء كانت زوجة أو ابنة أو أختاً أو حتى أماً.
صحيح أن الكثيرين استطاعوا تجاوز تلك النظرة السلبية للمرأة بنجاح، إلا أن هناك فريقاً ما زال حائراً بين التقاليد الشرقية التي تربى عليها وما اكتسبه من خبرات وثقافات تؤمن بحقوق المرأة وحريتها، ستبقى هناك مسافات بينه وبين ما يؤمن به حقيقة وبين ما يتصرف وفقاً له.
ستراه يؤمن بحرية المرأة وعملها واستقلاليتها.. ولكنه لا يتصورها إلا مجرد زوجة.. ربة منزل تخلت عن كل ذلك في سبيل إرضائه كزوج.. يعجبه فيها أفكارها الصريحة والجريئة.. ولكنها ستتحول بعد ذلك إلى نوع من التمرد أو الاعتراض على أحسن الأحوال إذا ما اتسعت المناقشة أو دار نوع من الجدل أو اختلاف الرؤى.
هو يريد تلك المرأة التي يتباهى بعقلها وثقافتها أمام الناس.. ولكنه في الخفاء وبعيداً عن الأعين لا يريد أن يرى سوى "أمينة" التي لم ترَ أو تختبر من الحياة سوى ما يقوله أو يفعله "سي السيد". في قرارة نفسه يؤمن بأن من حقها أن تكون لها حياة مستقلة عنه تديرها كيفما تشاء.. وتحب وتكره من تشاء.. تفعل هذا وتتخلى عن ذاك كما تشاء.. ولكن هناك شيئاً ما يمنعه من المضي قدماً في تلك الأفكار وجعلها حقيقة على أرض واقعه.. ربما خوفه من العادات والتقاليد.. ربما رغبته في أن يظهر ذلك الرجل قوي الشكيمة المسيطر أمام أهله ومعارفه أو حتى أمامها.. وربما خوفه منها لأنها تفكر وتفعل وتتخذ القرارات بعيداً عنه.. ربما يشعر أنها بهذا تتخلى عنه أو أنها قد لا تصبح في احتياج له.. بالرغم من أنه تخلى في البداية عن مسؤولياته لتقوم هي بها وحدها.
هذا النوع من الرجال ما زال لديه الكثير كي يتجاوز تلك النظرة السلبية للمرأة، عليه أن يتخلص بوعي كامل من كل ما يحول دون احترامه وتقديره للمرأة، عليه أن يعترف بأنها شريكته في الإنسانية وليست كائناً من الدرجة الثانية.
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.