القمع على فيسبوك ‎

لاتزال تجربتنا مع الديمقراطية وحرية التعبير خجولة وهي لا ترتقي للتجارب العالمية للشعوب التي استطاعت أن تتجاوز كل مشاكلها فيما يتعلق بالدين أو الطائفة أو الحديث عنها، نحتاج إلى سنوات طويلة، كي نفهم بأن الطريق الصحيح الذي من المفترض أن نسير عليه هو الديمقراطية والتعددية في ظل بلد مترهل مثل العراق.

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/25 الساعة 09:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/25 الساعة 09:44 بتوقيت غرينتش

أزعم بأن السنوات المقبلة ستكون قاسية، فيما لو بقي الوضع هكذا في التردي المستمر نحو الأسوأ، ولن نشهد الكثير من حرية التعبير أو ممارسة الانتقاد بشكل عام، بعد أن يتم توجيه تهديد مستمر لكل شخص لديه صفحة رسمية في مواقع التواصل الاجتماعي في ظل الانحدار الهائل في المنظومة القيمية التي نخرها الفساد مثلما نخر مؤسسات الدولة وأصابها بالعطب.

ثمة توجه هائل لإزاحة كل تلك المساحات الممكنة التي يتمتع بها الناس لإيصال أصواتهم أو التعبير عما يجول بدواخلهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي ظل الثورة الإلكترونية الهائلة التي تجتاح العالم، ثمة أمثلة بارزة لمظاهر القمع التي يتعرض لها ناشطون ومدونون بشكل مستمر، بسبب الجدران التي تضعها الأعراف والقبيلة، إلى جانب الجدران التي تضعها السلطة أمام منتقديها.

وربما سنكون مجرد أغلبية صامتة أخرى، ننضم إلى القطيع الكبير الذي يهتف من أجل كل شيء، في الوقت الذي لا يريد أن يتحرك من أجل أن يستعيد حقوقه التي سرقتها أحزاب السلطة منذ سنوات إعلانها عن ضياع حقوقها في سنوات الجهاد المزعوم الذي كانت تتحرك من خلاله.

سنوات طويلة ونحن نقارع كل أشكال الخوف والموت في بلد لا يرسم مستقبلاً واضحاً لأبنائه ولا يضع أي خطوط كبيرة من أجل السير عليها، هكذا نرى الحياة في العراق، مثلما ننتظر "أن ينتهي النفق حتى يأتي نفق آخر" لا أن نرى النور الذي نأمل أن يأتي أخيراً ونشعر بأننا نحظى بكرامة مثل باقي شعوب العالم.

لاتزال تجربتنا مع الديمقراطية وحرية التعبير خجولة وهي لا ترتقي للتجارب العالمية للشعوب التي استطاعت أن تتجاوز كل مشاكلها فيما يتعلق بالدين أو الطائفة أو الحديث عنها، نحتاج إلى سنوات طويلة، كي نفهم بأن الطريق الصحيح الذي من المفترض أن نسير عليه هو الديمقراطية والتعددية في ظل بلد مترهل مثل العراق.

قفزات نوعية حققتها شعوب بسيطة في مجال العلم والمعرفة والرياضة، بينما نحن هنا لا نزال نخوض نزالات مستمرة من أجل الظفر بحرية ممكنة، بمواجهة رجال بلا قيم ولا مبادئ، شعارهم التصفية لكل من يقف أمامهم وهم يحملون صفات القدسية والخطوط الحمراء.

المساحة البسيطة التي ندخل من خلالها نحو العالم بواسطة التواصل الاجتماعي، تكاد أن تضيق علينا، بعد أن تحول الرأي المخالف والانتقاد تهمة، وعلى من يتصدى لأي موقف أن يتحمل كل ما يحصل له، ونحن أمام قوانين مفخخة لا نعرف متى تكون معنا أو متى تكون علينا.

السلطة والقبيلة والعرف الاجتماعي، قيود تطاردنا بشكل مستمر، وهي بشكل أو بآخر تحمي الفاسد وتقف بجانبه، وهذه الحالات تتكرر، دون أن تكون هنالك نهاية حتمية لهذه المهزلة، وهي نتيجة منطقية للخراب والدمار الذي لحق به، والأمر لا ينطبق على الجميع بالتأكيد، لكن تبقى مشكلة كبيرة من الصعب حلها في الوقت الراهن.

لا أحد يمكنه التنبؤ بمستقبل ممكن لنا، نحن الذين نحاول بأبسط الأشياء أن نضخ جرعات من الوعي للأغلبية التي تخشى الحديث عن حقوقها، مهمة شاقة وطويلة من أجل أن نقف على الطريق الصحيح ولو لمرة واحد وأن نكشف الأشياء على حقيقتها مرة أخرى.

الكرامة الحقيقية التي من المفترض أن نحظى بها، هو أنه يجب أن نتوقف تماماً عن صناعة خطوط حمراء وإضفاء صفة القدسية على من يسرق البلاد والعباد باسم الدين وباسم الله، نحصل على الحقوق بالشكل الطبيعي حالما نتوقف عن البحث عن مصالحنا الخاصة والامتيازات المشبوهة وأن نكون على قدر المسؤولية في التفكير نحو بناء بلد حقيقي خال من كل هذه الأوبئة التي يمتلئ بها، والتي يجب أن تحتاج إلى مضادات وعي تمحو كل آثار القيود والخوف التي تحيط بنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد