ولكن أين “الممثل الشرعي الوحيد”؟

المجلس السوري ثم الائتلاف ومن بعدهما مؤتمرو الرياض وتحت ظل (تمثيلهم الشرعي الوحيد) لم يخفقوا في تحقيق ولو بند صغير من أهداف الثورة فحسب، بل أجهضوها وفي هذه الأيام على وشك إنهائها وكانوا وما زالوا شهود زور على قتل السوريين وتدمير بلادهم ومحو مدنهم ومعالم تاريخهم، وهم من ضربوا بأهداف الثورة عرض الحائط قبل الآخرين وشرعنوا النظام وتحاوروا معه وزاروا موسكو أفواجاً كمباركة غير مباشرة لتدخل الروس وعدوانهم، وكذبوا على شعبنا ثم قالوا: الأميركان ضحكوا علينا.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/01 الساعة 04:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/01 الساعة 04:08 بتوقيت غرينتش

طبعاً لم يصدق ثوريو الثورة ولو للحظة أن معارضي كل من (المجلس الوطني والائتلاف) على أساس "أنهم أحسن الموجودون" يمثلونهم أو يعبرون عن طموحاتهم. أو مؤتمنون على تحقيق أهدافهم الرئيسية في إسقاط نظام الاستبداد وإجراء التغيير الديمقراطي وبناء سوريا الجديدة المنشودة، لأنهم ببساطة بكل أحزابهم التقليدية وتياراتهم (القومية والإسلامية واليسارية) وشخوصهم لم يخرجوا من صفوف الانتفاضة الثورية المندلعة منذ مارس/آذار 2011 والتي اكتملت شروط انتقالها إلى مرحلة الثورة الوطنية بعد تفاعل واندماج الحراك الثوري الشبابي الوطني العام مع أولى موجات الجيش الحر.

لقد وفدوا بعد مضي أشهر عديدة ولم يكونوا مهيأين لمواجهة النظام وفاجأتهم الانتفاضة على حين غرة، فلا برامج للتغيير، ولا تحضيرات فقط -الإخوان المسلمون- رأوا فيها فرصة ذهبية لاستثمارها في سبيل تحقيق أهدافها المبيتة، خاصة بعد ميلان الكفة لصالح "إخوان مصر وتونس، وبعد قرار قطر بالدعم المالي لعملية (أخونة ثورات الربيع) وقبول تركيا للرعاية جغرافياً والاحتضان وتقديم التسهيلات وقد تسللوا إلى صفوف الانتفاضة ليس لأن لهم تنظيمات سرية فاعلة في الداخل السوري، أو أن الحراك الثوري الشبابي يتبع لهم، أو أن الضباط الأحرار الملتحقين بصفوف الشعب كانوا من خطوطهم المائلة ليس بسبب كل ذلك، بل فقط كوسطاء يتم من خلالهم التمويل وقواعد الانطلاق والتموين والتسليح.

كلنا نتذكر معاناة ضباط وأفراد الجيش الحر وما تعرضوا له من حصار مالي وتسليحي؛ لأنهم فقط رفضوا الانتساب إلى حركة الإخوان المسلمين، كما نتذكر كيف حوربت تنسيقيات الشباب، وحوصر الناشطون الذين كانوا يقودون فعلياً التظاهرات الاحتجاجية في مختلف المناطق السورية، لأنهم ببساطة كانوا مستقلين أحراراً غير منتسبين للأحزاب وغير خاضعين لأيديولوجياتها، فبدأوا بتفريق صفوفهم وشراء الضمائر الضعيفة خلسة، وتأليبهم على البعض الآخر، كما كلفوا أشخاصاً لإعلان أسماء تنسيقيات جديدة لا قواعد لها، كما نشروا في الإعلام أسماء منظمات وهمية (تحت يافطات ثورية ووطنية)، وبذلك فككوا الجسم الأساسي لقاعدة الانتفاضة الثورية، بل شوهوا سمعة البعض الآخر، وأصبح هؤلاء المناضلون الناشطون بين نارَين: السلطة من جهة، والمعارضة من الجهة الأخرى.

كل ذلك كان يحصل تحت ظل ادعاء (التمثيل الشرعي الوحيد) للشعب والثورة من دون الحصول على تخويلهما عبر مؤتمرات وطنية مثلاً أو حتى جزء من تشكيلات الثورة والحراك الوطني العام، وقد كانت النتائج كارثية: تراجع الوطنيين والديمقراطيين والعلمانيين وانحسار نفوذ الجيش الحر وانقسام تشكيلاته العسكرية وتفتتها لمصلحة صعود المنظمات الإسلامية المسلحة، وكان وما زال جزء أساسي منها يتبع مباشرة أو بصورة ملتوية حركة الإخوان المسلمين التي حققت القسم الأكبر من أهدافها بسرقة الثورة وتغيير جوهرها الحقيقي وحرفها عن النهج الوطني الديمقراطي ومساعدة النظام في تحقيق خطته التي عمل من أجلها، وهي إظهار الثورة للرأي العام كحركة إسلامية مسلحة إرهابية مقسمة للصفوف في مجتمع متعدد الأقوام والأديان والمذاهب.

كردياً وعلى نفس المنوال اجتمعت الأحزاب الكردية السورية بالقامشلي بعد ثمانية أشهر على الانتفاضة بدعم وإشراف رئيس العراق آنذاك الذي نسق مع الأسد وتمخض عنها (المجلس الوطني الكردي)، وكان قرار مؤتمره التأسيسي الوقوف على الحياد مسمياً نفسه أيضاً (بالممثل الشرعي الوحيد للشعب الكردي)، ومتجاهلاً تنسيقيات الشباب الكرد وحركاتهم الواسعة التي قادت الانتفاضة السلمية في المناطق الكردية، بل بدأ بمحاربتهم إلى درجة أن نسق بعضهم مع السلطات ثم انتقل -المجلس الكردي- تماماً مثل نظيره السوري إلى اختلاق تنسيقيات وشراء البعض وجماعات مستقلة بأسماء شتى حتى يثبت ولو نظرياً أنه (الممثل الشرعي الوحيد).

المجلس السوري ثم الائتلاف ومن بعدهما مؤتمرو الرياض وتحت ظل (تمثيلهم الشرعي الوحيد) لم يخفقوا في تحقيق ولو بند صغير من أهداف الثورة فحسب، بل أجهضوها وفي هذه الأيام على وشك إنهائها وكانوا وما زالوا شهود زور على قتل السوريين وتدمير بلادهم ومحو مدنهم ومعالم تاريخهم، وهم من ضربوا بأهداف الثورة عرض الحائط قبل الآخرين وشرعنوا النظام وتحاوروا معه وزاروا موسكو أفواجاً كمباركة غير مباشرة لتدخل الروس وعدوانهم، وكذبوا على شعبنا ثم قالوا: الأميركان ضحكوا علينا.

في عهد (تمثيلهم الشرعي الميمون) راحت مناطق الثورة وعادت إلى حضن النظام من القصير إلى القلمون إلى الغوطة إلى حوران، ومن حمص إلى حماة إلى حلب، وصولاً إلى الحدود التركية والبحر المتوسط، أما في زمن (تمثيل المجلس الكردي الشرعي الوحيد) فبعد حربه غير المقدسة على تنسيقيات الشباب والمستقلين قام بتسليم كل المناطق والمدن والبلدات من ديريك إلى راجو لحزب (ب ي د) الذي عزز عليها سلطته الأمر واقعية بدعم وإسناد من سلطة نظام الأسد، أما ما بقي من (المجلس) فمحظور وممنوع التواجد، ومعظم قياداته لاجئون في إقليم كردستان العراق.

أليس من حق الشعب محاكمة (ممثليه) ؟ إما على حجم الأذية والضرر بدون حساب إن كانوا شرعيين، أو على جرم التزوير وتقمص حالة غير موجودة، حيث يحاكم عليه القانون.

ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد