لطالما تعجبت من شجاعة ورزانة الناس العاديين عندما قدمت التقارير من مناطق الحروب الأهلية، عن حركات تمرد، وعن الكوارث الطبيعية، ومن داخل الديكتاتوريات القمعية، ولكن الصحفيين المحليين الذين ينقلون الحقيقة حول الأنظمة الوحشية يحتلون حقًا مكانة الشرف.
حتى بالنسبة لأشجع الصحفيين الغربيين، تبدو المقارنة سهلة في هذا السياق؛ فهم يبقون في البلاد لبضعة أيام أو أسابيع ومن ثم يعودون إلى ديارهم، وإذا تحوّلت الأمور لتصبح خطيرة، ينسحبون ببساطة.
لا أقول هذا الأمر من باب الانتقاد، ولكن تبقى الحقيقة بأن الصحفيين الأجانب لا يعيشون عواقب تقاريرهم، بينما يبقى الصحفيون المحليون في بلدانهم عرضة للانتقام الذي من أمراء الحرب المحليين، القلة الحاكمة (الأوليغارشية)، والأجهزة الأمنية؛ حيث يخضعون وأسرهم للتهديد، وفي كثير من الأحيان يُقتلون، غالبًا بطرق مروعة للغاية.
يطرّد هذا التفاوت بالسوء جرّاء حقيقة أن العالم يهتم بشكل خاص بحياة الصحفيين الغربيين؛ فهم غالبًا ما يحتلون عناوين الصحف والأخبار عندما يُقتلون أو يُجرحون، ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للصحفيين المحليين.
لقد لمست مؤخرًا أحد الأمثلة على سياسة الكيل بمكيالين المذكورة في مصر؛ فمن المعروف على نطاق واسع حادثة إلقاء القبض في 29 ديسمبر 2013 على الصحفي بيتر غريستي واثنين من زملائه في قناة الجزيرة، حيث تم اتهامهم وحبسهم، رغم عدم ارتكابهم لأي جرم سوى نقل التقارير والأنباء.
حينها، انضممت إلى عشرات الصحفيين الأجانب في الترويج لحملة تسعى لإطلاق سراحهم، وعقدنا مؤتمرًا صحفيًا في نادي فرونت لاين في غرب لندن، صدر عنه بيان بالحادثة، والتقينا بأحد الدبلوماسيين المصريين.
بالإضافة إلى ذلك، طالب الرئيس أوباما بالإفراج عنهم، وكذلك فعل وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، رئيس الوزراء الأسترالي ومجموعة من الإعلاميين والمشاهير من بينهم لاري كينغ، بيرس مورغان، ستيفن فراي، ميا فارو، نعومي كلاين، بيانكا جاغر، وكريستيان أمانبور.
بعد وقت ليس بطويل، تم إطلاق سراح غريستي وعاد إلى موطنه أستراليا، أما زميليه، محمد فهمي والمصري باهر محمد، اضطرا للانتظار عدة أشهر أخرى؛ فلأنهما يحملان أسماء إسلامية، لم يستحصلا إلا على حفنة صغيرة من الحملة الدولية للمطالبة بالإفراج عنهما، حيث أشار غريستي في وقت لاحق خلال لقاء له مع الإذاعة الإيرلندية بأنه تلقى دعمًا في زنزانته يفوق ما حصل عليه الإيرلندي المصري إبراهيم حلاوة لأن اسمه بيتر، وليس إبراهيم، وبالمحصلة، تم الإفراج عن فهمي ومحمد بموجب عفو رئاسي من الرئيس عبد الفتاح السيسي.
بطبيعة الحال، شعرنا جميعًا بالغبطة لإطلاق سراحهم، وما زلت شخصيًا فخورًا بدوري الثانوي للغاية الذي مارسته في حملة الجزيرة؛ ففهمي، غريستي، ومحمد، جميعهم عانوا أشد المعاناة في السجون المصرية المكتظة وغير الصحية، وهم رجال شجعان وشرفاء، وخارج نطاق النقد.
ولكن على الرغم من ذلك، الأمر الذي يقلقني للغاية حول هذه القضية، هو وجود الكثير من الصحفيين المصريين الذين ما زالوا يعانون في سجون السيسي، وأوضاعهم لم تتحسن نحو أفضل، بل في الواقع تدهورت بشدة، حيث يُزج بالمزيد من الصحفيين في سجون النظام، كما أضحت ظروفهم أصعب، وتكثّفت الهجمات على حرية التعبير بشكل أكبر للغاية.
الحقائق المستخلصة من أرض الواقع لا تقبل النقض؛ فوفقًا للجنة حماية الصحفيين، ضمت السجون المصرية حتى نهاية عام 2014، الفترة التي شهدت ذروة جهودنا المبذولة للمطالبة بإطلاق سراح الصحفيين، حوالي 12 صحفيًا من بينهم صحفيو الجزيرة الثلاثة، وهذا العدد، وفقًا للجنة حماية الصحفيين، تضاعف منذ ذلك الحين، كما أخبرتني اللجنة أيضًا بأن زمننا الحالي هو أسوأ زمن بالنسبة للصحفيين في مصر منذ عام 1991.
فضلًا عن ذلك، ووفقًا لمنظمة مراقبة حرية وسائل الإعلام العربية (إكشف)، والتي تعرّف الصحفي بطريقة أقل صرامة، وصل العدد الحقيقي للصحفيين المعتقلين إلى 89 صحفيًا في نهاية أبريل من هذا العام، وأيًا كانت الطريقة التي تحصي بها الأعداد، فلا مراء بأن الأمور تدهورت بالتأكيد نحو الأسوأ.
لهذا السبب تحدثت في بداية مايو ضمن مؤتمر صحفي آخر في نادي فرونت لاين، نظمته منظمة مراقبة حرية وسائل الإعلام العربية، حيث كان هدفنا لفت الانتباه إلى السبل الوحشية التي تنتهجها الحكومة المصرية ضد الصحفيين المحليين في أعقاب الحملة المشددة المدمّرة التي أطقلها النظام المصري على مدى الأسابيع القليلة الماضية.
لم أتمالك نفسي عندما حضرت المؤتمر الأخير في فرونت لاين من مقارنته مع المؤتمر السابق الذي عُقد في ذات المكان لتسليط الضوء على محنة بيتر غريستي؛ ففي ذلك الحين، لم يكن يوجد مكان إلا للوقوف ضمن غرفة المؤتمر، وكان النادي مكتظًا ومحمومًا بكاميرات التلفزيون، فضلًا عن التغطية الاعلامية المكثفة التي شهدناها في اليوم التالي للمؤتمر.
ولكن على النقيض من ذلك لم يحضر المؤتمر الصحفي الأخير إلا حفنة من الأشخاص، ولم نشهد أي تغطية حقيقة له، كما لو أننا نعقد المؤتمر في الفراغ.
كان العالم يشعر بالقلق -بحق- لحال غريستي، ولكن لماذا لم يدافع ذات السياسيون والمشاهير الذين انخرطوا بالحملة السابقة عن محمود "شوكان" أبو زيد، الذي اعتقل في أغسطس 2013، رغم استمرار النظام المصري بحرمانه من الحصول على المساعدة الطبية في ظل معاناته من التهاب الكبد من نوع C؟
ففي خطاب حزين ولا يطاق كتبه بمناسبة يومه الـ600في المعتقل، كتب أبو زيد ببساطة: "أنا أموت".
لماذا لا نتدخل نيابة عن صحفي موقع رصد، عبد الله الفخراني، الذي أُلقي القبض عليه أيضًا في أغسطس 2013؟ والذي كتب من داخل معتقله لصحيفة الميدل إيست آي العام الماضي قائلًا: "العالم سيتذكر الصحفيين الغربيين … سيهب احتجاجًا على حبسهم، وسينشر أخبارهم ويضغط من أجل إطلاق سراحهم".
محمود أبو زيد وعبد الله الفخراني ليسا إلا شخصان من بين العديد من الحالات؛ حياة الصحفي المصري تساوي تمامًا حياة نظيره الغربي، والتفسير الوحيد لازواجية المعيار الصارخة التي نشهدها هي العنصرية.
قليلون هم من يهتمون بمضايقات واضطهاد الصحفيين المتزايدة في مصر الآن بعد أن لم يعد الرجل الأبيض أحد ضحايا النظام المصري، الأمر الذي ينبغي أن يُخجل كل صحفي غربي منا ويشعره بالخزي.
هذه التدوينة منشورة باللغة الانجليزية على موقع ميدل إيست آي للاطلاع على النسخة الأصلية اضغط هنا، وقام موقع نون بوست بترجمتها للاطلاع علي الترجمة الأصلية اضغط هنا
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.