اسمي إنجي، متزوجة منذ ما يقارب عامًا ونصف، واستمعت إلى أغنية بيونسيه "If I were a boy" منذ قليل.
يسألونني كثيرًا لماذا أؤجل أنا وزوجي الإنجاب، نرد عليهم بأسباب قوية جدًا تتلخص في أننا لا زلنا في بداية الطريق، أن أحوالنا المادية ليست على ما يرام بعد، أقساط متأخرة، الكثير من الأسباب الحقيقية جدًا، والتي لا تمت للواقع بأي صلة.
لا أتذكر أنني تمنيت من قبل أن أصبح صبيًا، ربما تمنيت في الماضي أن أصبح أجمل، ولكنني لم أتمنَّ أن أصبح رجلاً أبدًا، وكبرت، كبرت جدًا، وتمنيت أن أنجب فتاة، فتاتين في الحقيقة، واخترنا اسميهما أنا وزوجي، واشترينا دبابيس تحمل تلك الأسماء، والتقطنا بها صور الزفاف، ثم كبرت أكثر وأكثر، وعرفت أنني أحب فتاتيّ جدًا، أحبهما للدرجة التي تجعلني أرفض أن آتي بهما للعالم.
أتمنى الآن أن أنجب صبيًا، يشبه أباه في الذكاء والطيبة والصمود، ربما يشبهه أيضًا في الوسامة، ولتكن تلك ميزة إضافية، لا أريد أن أنجب فتاة تشبهني، أنا أيضًا ذكية وطيبة وقوية، ولكنني لا أضمن لها أن تحب رجلاً كأبيها، لن أخاطر بها، لن أتحمل أن أراها تغلق باب غرفتها وأسمع صوت أغنية بيونسيه يتسرب لي عبر الباب وأنا موقنة أن ابنتي تستمع إلى الأغنية على الضفة الأخرى وتبكي دون صوت.
كنت أظن في البداية أنني تخليت عن حلم الفتاة القوية المثابرة الذكية الجميلة، لأنني لا أريدها أن تتحمل ما تحملته أنا، أن تعافر لتتعلم وتعافر لتعمل وتعافر لتعرف شيئًا عن كل شيء، مع الوقت أوقن أنني تخليت عنها لأنني لن أستطيع أن أحميها من أن ينكسر قلبها، أن تتشظى للدرجة التي تجعلها تتمنى لو كانت ولدًا.
أعرف ابنتي جيدًا، أعرف أنها سترث عناد أبيها واعتزاز أمها بعقلها، سترث قوة أبيها وقدرة أمها على التكيف، سترث ذكاءً مضروبًا في اثنين، ستصبح صعبة وتتلفظ بالكثير من المصطلحات الفصحى التي تتحدث بها خلال اليوم، سترث طيبة بلهاء ربما تتسبب لها يومًا في جرح عميق لن يستطيع أي من أبويها احتواءه، سوف تكبر لتتخيل أن العالم مكان طيب، لن أستطيع أن أشحنها ضد البشر وأخيفها منهم، ولن تعرف في الدنيا رجالاً أشرارًا وستتخيل أنهم جميعًا نبلاء مثل أبيها، ستنكسر حتمًا، أعرف هذا ولذلك لا أستطيع أن أنجبها.
لا أريد لابنتي يومًا أن يأخذها أحدهم "For granted" كما تقول الأغنية، هي أكبر من هذا بكثير، ولكنها عنيدة ستصمم أن تخوض التجربة وحدها وتمنعني من حمايتها، وستتأذى، أنا لا أريد لابنتي أن تتأذى، ولذلك لا أستطيع أن أنجبها.
لا أريد لابنتي أن تكون مشوّهة، أن تتلبس دورًا ليس دورها وتحاول أن تبدو أقوى، لن أستطيع أن أوفر لها عالمًا مثاليًا تبذل فيه مجهودًا فيؤتي ثماره، لسنا في يوتوبيا هنا، ولذلك ستتعب كثيرًا، ستتعب كثيرًا جدًا وأنا لا أريد لها كل هذا الشقاء، لا أقصد أنني أريد أن أربي فتاة مدللة، فقط أريد لابنتي أن تتعب فيما يستحق التعب بحق، أن تتعب لتتعلم، أن تتعب لتكون مختلفة، أن تتعب لتكون حرة، وأن تجد يومًا ما أرضًا مريحة تتكئ عليها وتنام مبتسمة، أما أن تتعب كل ذلك التعب ولا تجد أرضًا ثابتة في النهاية، فهذا ما لا أطيقه.
أستطيع أن أنجب صبيًا بدلاً من كل ذلك الوجع، صبيًا يكبر ليكون طيبًا، يحب فتاة متشككة مثلي، ويطمئنها أنه لن يغدر بها ولن يخذلها، سيعلمه أبيه كيف يكبر ليكون رجلاً، سيتعب ولدي كثيرًا مع فتاته كما تعب أبوه في إقناعي أن في الكون رجالاً طيبين، ولن يجعل فتاته أبدًا تتمنى لو كانت ولدًا.
لن يصبح ابني "Just a boy" كما تقول الأغنية، سوف يحب فتاة تعرف قيمة أن يكون في حياتها رجل مخلص، يعرف كم من المؤلم أن يخسر شخصًا يحبه، ويعرف كيف يحارب كي لا يخسره، يعرف المعارك التي يجب أن يخوضها وكم من الجهد يجب عليه أن يبذل، أن يقدر قيمة أن يكون رجلاً في عالم تُخذَل فيه الفتيات بلا توقف، يعرف كيف يستمع لفتاته وألا يعاملها كأنها موجودة للأبد.
أن أربي ولدًا في هذا العالم أسهل كثيرًا من أن أربي فتاة، نعم سيتعب كثيرًا ليكون رجلاً، ولكن مع بعض الجهد والقوة سينجح، لن أضطر أن أفتش في قلبه كي أحميه، سيعرف كيف يحمي نفسه، سيجد له مكانًا في الدنيا، نعم سوف ينهش قلبي القلق عليه كثيرًا، ولكنني أثق في أنه يعرف كيف يعيش.
ربما أنا أضعف من أن أنجب فتاة، ربما أحبها أكثر من أن أفرح بامتلاكها ثم إلقائها في عالم شرس يفترس روحها، وربما أحبها أكثر من أن أجبرها أن تعيش في عالم قاسٍ تتمنى فيه الفتيات أن يكنّ فتيانًا ولو لليلة واحدة.
لن أنجب فتاة في هذا العالم، وإذا أنجبتها لن أجعلها تستمع لبيونسيه أبدًا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.