عندما اعترفت أوروبا بفضل المسلمين

سأتناول هنا بعضاً من أقوال المستشرقين الذين أنصفوا الإسلام وحضارة الإسلام؛ حيث يحاول الكثير من الأوروبيين طمس معالم الحضارة الإسلامية وإنكار فضل هذه الحضارة على الأوروبيين بصفة خاصة، والعالم الإنساني بصفة عامة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/04 الساعة 03:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/04 الساعة 03:54 بتوقيت غرينتش

عرفت الحضارة العربية الإسلامية ازدهاراً كبيراً في كل الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية، وقد كان للدين الإسلامي دور كبير في هده الوضعية، من خلال مبادئه التي تحث على العمل وتحصيل المعرفة والتدبر في الكون والحياة والبحث في القوانين الطبيعية، كما أن الإسلام جعل من العلم فريضة على المسلم، ورفع قدر العلماء وخاطب العقل ووجهه نحو التفكر والإبداع.

وعلى أثر الفتوح الإسلامية وتوسع المبادلات التجارية احتك المسلمون بثقافات فعززوا معارفهم وأغنوها ثم شرعوا في نشر المعرفة؛ حيث كان لهم السبق في مجال التعليم بإنشاء الجامعات في العواصم والحواضر الكبرى.

من جهة أخرى، خلف العلماء المسلمون تراثاً غنياً في مجال الآداب والعلوم، خاصة في الطب والرياضيات والفلك؛ حيث تم استغلالها في تدبير الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمسلمين، أما في ما يخص فنون العمارة والزخرفة، فقد اهتم المسلمون بتشييد المساجد والقصور وإقامة مدن جديدة بمختلف مرافقها، مستعملين في ذلك مختلف فنون الزخرفة والرسم والنقش، وفي الوقت الذي عرفت فيه الحضارة العربية الإسلامية ازدهاراً كبيراً كانت أوروبا تعيش على انعدام الأمن، خاصة بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية وتوغل القبائل الجرمانية وخضوع بعض المناطق للسيطرة العربية الإسلامية، خاصة الأندلس وصقلية,

بعد سقوط الأندلس لجأ أكثر من 150 ألف عربي ومسلم إلى جنوب فرنسا، بدأ الوجود الإسلامي في أوروبا منذ أن وصل العرب في فتوحاتهم إليها؛ حيث فتحوا مدينة ناربون الفرنسية عام 716م ومدينة تولوز عام 721م ومدينة ليون عام 726م ومدينة بوردو عام 731م، ثم هزموا في مدينة بواتيه عام 736، إلا أن الهزيمة لم تؤدِّ إلى جلاء كل المسلمين العرب عن فرنسا، وهذا كان له أثر بالغ الأهمية في حياة المسلمين والأوروبيين، فهنا بدأ التلاقح وصار واضحاً أثر الثقافات الرصينة التي يحملها المسلمون مما أذهل الأوروبيين بحضارة المسلمين وثقافاتهم.

سأتناول هنا بعضاً من أقوال المستشرقين الذين أنصفوا الإسلام وحضارة الإسلام؛ حيث يحاول الكثير من الأوروبيين طمس معالم الحضارة الإسلامية وإنكار فضل هذه الحضارة على الأوروبيين بصفة خاصة، والعالم الإنساني بصفة عامة.

فيقول مايكل هارت في كتابه الخالدون مائة وأعظمهم محمد: لقد اخترت محمداً في أول هذه القائمة، ولا بد أن يندهش الكثيرون، ولكن محمداً هو الإنسان الوحيد الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستويين الديني والدنيوي، وهو قد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات، وأصبح قائداً سياسياً وعسكرياً ودينياً، وبعد 13 قرناً من وفاته فإن أثر محمد عليه السلام لا يزال قوياً.

ويتعجب الباحث اليهودي فرانز روزنتال من سرعة قيام ونشأة وانتشار الحضارة الإسلامية، فيقول: يعد ترعرع الحضارة الإسلامية من أكثر الموضوعات استحقاقاً للتأمل والدراسة في التاريخ، ذلك أن السرعة المذهلة التي تم بها تشكل هذه الحضارة أمر يستحق التأمل العميق، وهي ظاهرة عجيبة جدّاً في تاريخ نشوء الحضارة، ويمكن تسميتها بالحضارة المعجزة؛ لأنها تأسست وتشكلت وأخذت شكلها النهائي بشكل سريع جدّاً ووقت قصير جدّاً.

ويقول المستشرق الألماني شاخت جوزيف متحدثاً عن الشريعة الإسلامية التي لعبت دوراً هاماً في الحضارة الإسلامية: إن من أهم ما أورثه الإسلام للعالم المتحضر قانونه الديني الذي يسمى بالشريعة، وهي تختلف اختلافاً واضحاً عن جميع أشكال القانون، إنها قانون فريد، فالشريعة الإسلامية هي جملة الأوامر الإلهية التي تنظم حياة كل مسلم من جميع وجوهها.

ويقول العالم الإسباني خوسيه لويس بارسلو: أرسى الإسلام مدنية متقدمة تعد في الوقت الحاضر من أروع المدنيات في كل العصور كذلك فإنه جمع حضارة متينة متقدمة، وذلك إذا ما طرحنا جانباً الاضمحلال الواضح للقوى السياسية، فإن الشخصية الجماعية للإسلام قد صمدت أمام كل أنواع التغيرات، ذلك لأن معيار الشخصية الجماعية هو المدنيةُ عامة، والتقاليد التي لم تنطفِئْ أو تَخمُد.

الفرنسى جوستاف لوبون في كتاب حضارة العرب عالمية الحضارة الإسلامية، فيقول: لم يقتصر فضل العرب والمسلمين في ميدان الحضارة على أنفسهم، فقد كان لهم الأثر البالغ في الشرق والغرب، فهما مدينان لهم في تمدنهم، وإن هذا التأثير خاص بهم وحدهم فهم الذين هذبوا بتأثيرهم الخلقي البرابرة.

ويقول جورج سارتون عن اللغة العربية وعالميتها ودورها في الحضارة الإسلامية: حقق المسلمون عباقرة الشرق أعظم المآثر في القرون الوسطى، وكانت اللغة العربية أعظم اللغات خلال هذه العصور، فلقد كتبت بها المؤلفات القيمة شديدة الأصالة، وكان على أي باحث يريد أن يلم بثقافة العصر أن يتعلم اللغة العربية، ولقد فعل ذلك الكثير من غير العرب.

ريتشارد كوك، في كتابه مدينة السلام يقول: إن أوروبا لتدين بالكثير لإسبانيا العربية، فقد كانت قرطبة سراجاً وهاجاً للعلم والمدنية في فترة كانت أوروبا فيها لا تزال ترزح تحت وطأة القذارة والبدائية.

ويقول رينيه جيبون: لم يدرك كثير من الغربيين قيمة ما اقتبسوه من الثقافة الإسلامية، ولا فقهوا حقيقة ما أخذوه من الحضارة العربية في القرون الماضية.

في كتابه حضارة العرب، يقول جوستاف لوبون: أخذ الغرب عن العرب أخلاق الفروسية واحترام المرأة، وإذن فليست المسيحية كما يظن بعض الناس في الغرب هي التي أنصفت المرأة بل الإسلام.

ويقول العالم الصينى لى قوان فبين: الحضارة الإسلامية من أقوى حضارات الأرض، وهي قادرة على اجتياز أي عقبات تواجهها؛ لأنها حضارة إنسانية الطابع عالمية الأداء رفيعة القدر علميّاً وفكريّاً وثقافيّاً، وبعدما تعمّقتُ في الأدب العربي القديم والحديث ازْداد اقتناعي بأن الشرق يمتلك سحر الحضارة والأدب والثقافة، وأنه صاحبُ الكلمة المفكِّرة والعقلية المنظمة.

وهنا لا حصر لأقوال المستشرقين واعترافهم بفضل الإسلام والمسلمين على أوروبا، وأختم هنا بقول جورج سارتون، في كتابه حضارة العرب، حيث يقول فيه: لقد سبق للعرب أن قادوا العالم في مرحلتين طويلتين، ظلت الأولى نحو ألفَي عام قبل اليونان، وعاشت الثانية طوال أربعة قرون خلال العصور الوسطى، وليس ثمة ما يمنع هذه الشعوب من أن تقود العالم مرة أخرى في المستقبل القريب أو البعيد.

لا أقصد من ذلك تباهياً بالماضى، أو أن أردد أقوال المستشرقين، بل القصد من ذلك لفت أنظار المسلمين والعرب إلى حقيقة حضارتهم التي أذهلت العالم كله، وكان لها فضل على أوروبا وتطورها في شتى مجالات الحياة، وأهمها الجانب الإنساني.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد