من إحدى نتائج فعل الثورة السورية بعد أعوام خمسة، تضييق المسافات وأحجام معاناة الإبادة والتدمير والتهجير والنزوح والتشرد بين مختلف مكونات وشرائح المجتمع السوري في المدن والبلدات والمحافظات السورية (مع الأخذ بعين الاعتبار استثناءات هنا وهناك) وإذا كنا في هذه العجالة بصدد تشريح الحالة الكردية الخاصة، فما من شك أن المقدمات والنتائج تشمل الوضع الوطني العام، خاصة إذا تعلق الأمر بمراجعة مسار حركة الأحزاب السياسية التقليدية وإخفاقها ليس في تصليب وتوحيد عود الثورة وتحقيق انتصارها فحسب، بل حتى في الحفاظ على وجودها، وبالتالي وجوب البحث عن سبل إعادة بناء الحركة الوطنية السورية العربية منها والكردية وغيرهما من الأساس.
في مجال توصيف الحالة الكردية الراهنة: هناك ما يشبه الإجماع لدى النخب السياسية والثقافية المستقلة والشبابية الوطنية حول ما آل إليه الوضع الاجتماعي والمعيشي والإنساني والسياسي في المناطق الكردية والمختلطة تحت ظل سلطة الأمر الواقع المنقادة من تحكم الحزب الواحد -ب ي د- كفرع تنظيمي – سياسي -عسكري لحزب العمال الكردستاني – التركي.
وكيف تمت إزاحة وتجاهل وقمع وملاحقة الآخر المختلف وإجبار الشباب حتى القاصرين منهم على حمل السلاح والانخراط في معارك ذلك الحزب، مع إفراغ المناطق من سكانها وممارسة نفس وسائل وأساليب سلطة نظام الاستبداد -وأحياناً بالتعاون معها- مثل الإحصاءات الحزبية الاستثنائية وحرمان الغائبين (وهم الغالبية) من حق المواطنة ومتفرعاته من تملك وعمل وإقامة وإضافة إلى كل ذلك محاولة محو وجود وآثار وتاريخ الحركة الوطنية الكردية السورية بكل تراثها النضالي الناصع وتقاليدها الوطنية والديمقراطية ودورها الإيجابي في الوحدة الوطنية والشراكة والعيش المشترك.
وفي المجال التوصيفي ذاته هناك ما يشبه الإجماع أيضاً على عجز وفشل الأحزاب الكردية السورية التقليدية المنضوية في إطار (المجلس الوطني الكردي) على تمثيل إرادة الشعب الكردي ومصالحه وتحقيق أهدافه وتطلعاته وقيادته بالانخراط الكامل في الثورة السورية والمشاركة بكفاحها العدل وفي مواجهة نظام الاستبدد والإخفاق في منع ظهور وتمدد سلطة الأمر الواقع فعندما ظهر (المجلس عام 2011) كانت جماعات -ب ك ك- في مناطقنا تعد على الأصابع، والآن هي المتسلطة كلياً والآية معكوسة، حيث عبور أي مسؤول -مجلسي- من وإلى القامشلي مثلاً يحتاج إلى موافقة أجهزتها ألا يستحق هذا الإمعان والتساؤل؟ أليست أحزاب -المجلس- مسؤولة عما حدث؟
عندما يكون التوصيف بهذا الشكل الواضح والحاسم، ليس هناك مجال للتردد في مسألة البحث عن سبيل للانقاذ وقد تتعدد المشاريع والبرامج والمقترحات وهو أمر صحي ومقبول وإيجابي، خاصة وأن الهدف واحد حتى وإن تعددت السبل؛ لأن الأمر المفصلي وبقيمته الاستراتيجية الكبيرة، يكمن في الاقتناع الكامل بضرر ومساوئ ورفض ما هو سائد الآن والتمسك المبدئي بضرورة تغييره حسب خطط مدروسة نابعة من تجارب حركتنا الكردية والحركة الديمقراطية الوطنية السورية بشكل عام، وكذلك من عبر ودروس الحركة الوطنية الكردستانية، وكما يظهر وفي مجال التغيير وإعادة البناء لم يعد ينفع الترقيع باسم الإصلاح ولا اتخاذ قرارات حسن النوايا وإطلاق الوعود والعهود بهذا الشأن أو ذاك.
بعض ما تبقى من أحزاب -المجلس الكردي- ومن موقع الضعيف المستغيث بإطلاق سراح المعتقلين يطلق بين الحين والآخر وبصوت خافت دعوات العودة إلى اتفاقيتي أربيل الأولى والثانية واتفاقية دهوك بين مجلسي (غرب كردستان والوطني الكردي) والتي تفضلت رئاسة إقليم كردستان مشكورة ومن منطلق الإخوة وحسن النية ومنع التقاتل الكردي – الكردي، والتي مضى عليها الزمن وهي -لمن لا يعلم- بكل بنودها تدور حول محاصصة النفوذ الحزبي كما أرادها المجلسان واتفقا عليها وإذا كان -المجلس- المشتت المنهك ما زال يركض في سراب وعاجز حتى عن طرح مبادرات أو تجديد نفسه وتوسيع صفوفه، فإن شريكه -الآبوجي- في التوقيع على الاتفاقيات يقطع أشواطاً في تبديل الأسماء وبناء التحالفات بكل سلبياتها وإشكالياتها المعروفة، بل وحتى اختراق أحزاب – شريكه – بما فيه – ح د ك – سوريا.
انطلاقاً من ذلك المشهد القاتم ومن فهم المعادلة المتحكمة بالحالة الكردية الخاصة ومن ملاحظة تشخيص وتوصيف الغالبية الوطنية الكردية فقد حملت BIZAV طموحاتها جنباً الى جانب آخرين من مجموعات وأفراد من رفاق الدرب والهدف والتزمت بتطلعاتها المشروعة وأعلنت في ندائها المنشور حول حملة التواقيع: "من أجل العمل على إنقاذ الشعب الكردي في سوريا كجزء من الشعب السوري والحفاظ على وجوده وسلامته، وفي سبيل قطع الطريق على ما يحاك من مخططات من الداخل والخارج والقريب والبعيد من أوساط نظام الاستبداد والفئات المغامرة الكردية وكذلك اللامبالية الفاشلة بغية تحويل الكرد وحركتهم إلى كبش فداء في خدمة مصالح الآخرين وإشعال الفتنة العنصرية بين الكرد والعرب ومن أجل إنجاز عملية توحيد الصف الوطني الكردي..".
نحن الآن ضمن تفاعلات الخطوة الأولى في حالة التوصيف وقد تطول أو تقصر لأنها أحوج ما تكون إلى المزيد من النقاش والحوار والتشاور بين أطراف الكتلة التاريخية من مستقلين وناشطي الحراك الشبابي وممثلي منظمات المجتمع المدني والمناضلين القدامى للخروج بقناعة موحدة حول توصيف ما هو سائد أولاً وما يترتب عليه من اطلاع واسع موضوعي وقراءات وتقييمات واقعية وفي الوقت ذاته نحن على أعتاب الخطوة التالية بتلمس سبل الحل ومناقشة البرنامج السياسي بشقيه الكردي والوطني السوري واستعادة زمام المشروع الوطني الكردي السوري الذي يحاربه نظام الاستبداد منذ أكثر من نصف قرن وتتجاهله أحزاب المجلسين وتسيء إليه منذ نحو خمسة أعوام.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.