قبل عدة سنوات لم يكن يخطر ببال فؤاد أنه سيقف تحت شمس القاهرة اللافحة للحصول على كيلو لحم من سيارات وزارة التموين أو الجيش الرخيصة الثمن التي تنتشر في بعض ميادين مصر، بعد ارتفاع أسعار اللحوم والأضاحي هذا العام (2016) بصورة لافتة.
فؤاد أحمد وهو موظف أحيل على التقاعد (78 عاماً) يعيش في منطقة عابدين بالقاهرة، يقول لـ "عربي بوست" إنه كان قبل سنوات يخرج في مثل هذا الوقت لينتقي أضحية بسعر مناسب يفرح بها أبناؤه، أو يمر على بائع اللحوم ليشتري أنواعاً مختلفة من اللحوم، ولكن سعر كيلو اللحم أصبح الآن في الأحياء الشعبية بـ 95 جنيهاً، وفي المحال الفاخرة يتراوح بين 105 و125 جنيهاً، أي أن راتب موظف يعادل حوالي 6 كيلوغرامات من اللحوم.
الموظف الذي غزت تجاعيد الشيخوخة وجهه، يقول إن الجزار أبلغه أن سبب ارتفاع السعر هو "الدولار" الذي شهد قفزات كبيرة في سعره مقابل الجنيه مؤخراً، وفشلت الحكومة في وقفه رغم إعلان البنك المركزي الأسبوع الماضي غلق 53 شركة صرافة من 115 شركة بتهمة التلاعب في سعر العملة الأجنبية.
كيلو اللحمة بجنيه
والطريف أن فؤاد يتذكر أنه حين كان في شبابه عام 1977، وسعى الرئيس الراحل أنور السادات حينئذ، لرفع أسعار بعض السلع الغذائية استجابة لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، اندلعت ما سميت "مظاهرات الخبز" التي أسماها السادات "انتفاضة الحرامية"، وكان المتظاهرون يهتفون "سيد مرعي.. يا سيد بيه (رئيس مجلس الشعب في ذلك الوقت).. كيلو اللحمة بقي بجنيه"!
ويتساءل بأسى "كيف سيكون الحال الآن وسعر الكيلو أصبح 100 جنيه، وما زلنا نسمع في الصحف أن الحكومة سترفع مزيداً من الأسعار وتفرض مزيداً من الضرائب بعد اتفاقها مع صندوق النقد على قرض جديد؟"، قائلاً في حسرة: "كم سيصل سعر كيلو اللحم بعد هذا؟ ومن سيقدر على شرائه؟!".
لحوم الجيش
ومع اقتراب عيد الأضحى، نشر الجيش المصري ووزارة التموين عدداً من عربات الثلاجات التابعة لهما في ميادين ومفارق طرق، لبيع اللحوم ومشتقاتها بأسعار تقل عن أسعار محال الجزارة، وتشهد تزاحماً من المصريين الذين يقفون بالطوابير أمامها.
وتقول هند أحمد، موظفة بإحدى الجهات الحكومية بالقاهرة (33 عاماً)، أن القوات المسلحة تبيع كيلو اللحم بـ 40 و50 جنيهاً بينما سعر اللحوم عند الجزارين تصل إلى 100 جنيه، بينما يقول عصام مصطفى موظف في منطقة شبرا (50 عاماً)، أنه وقف أمام السيارة التي وجدها أمام مقر عمله ليشتري منها لأنه ليس بمقدوره شراؤها من الجزار، مؤكداً أن راتبه (800 جنيه) لا يكفي لشراء 8 كيلو لحم من الجزار.
وارتفع معدل التضخم في أسعار المستهلكين في شهر يوليو/تموز 2016 إلى 14.8% على أساس سنوي في عموم مصر، وهو المستوى الأعلى له خلال السنوات السبع الماضية.
وشهدت أسعار مجموعة الطعام والشراب، وهي الأكثر تأثيراً في معدل التضخم، زيادة بأكثر من 19% في يوليو/تموز 2016 على أساس سنوي، وسجلت مجموعة اللحوم الحمراء الطازجة ارتفاعاً بنسبة 10.4% في هذا الشهر، وذلك وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
أصحاب المجازر ليسوا مسؤولين
ويقول الحاج سيد صاحب محل جزارة بشمال القاهرة (57 عاماً)، أنه مثل المشتري، يشتري اللحوم من المجزر بأسعار مرتفعة فيضطر لبيعها بأسعار عالية وأنه ليس المسئول عن ارتفاع أسعار اللحوم، ويشكو بدوره من ارتفاع أسعار علف الماشية وتزايد السكان والاستهلاك في عيد الأضحى ما يرفع أسعار الماشية المصرية.
ويضيف إن سعر الطن من الأعلاف ارتفع من 3500 (حوالي 350 دولاراً) إلى 5000 جنيه (حوالي 500 دولار) للطن الواحد، ما انعكس على ارتفاع أسعار العجول في مصر، كما أن تكاليف تربية العجول والأغنام ترتفع، وتشهد الأسواق عزوفاً من المشترين عن الأضاحي هذا العام لغلو الأسعار فيلجؤون لشراء اللحوم مذبوحة فترتفع أسعارها أيضاً.
ويشير رئيس شعبة الجزارين بالقاهرة هيثم عبد الباسط إلى أن الارتفاع الحالي في أسعار اللحوم يرجع إلى ارتفاع أسعار الأعلاف وهي المكون الرئيسي لعملية التربية داخل مزارع التسمين، مؤكداً أن هناك نقصاً في المعروض من اللحوم.
ويؤكد أن: اللحوم سترتفع أكثر مع دخول عيد الأضحى، بسبب زيادة الطلب، مؤكداً أن الدولار في السوق السوداء والأعلاف يتحكمان بشكل كبير في الأسعار المعلنة، وأن التجار ليس لهم علاقة بالزيادة، حسب قوله.
ارتفاع أسعار الأضاحي
وانعكست أزمة الدولار بالسلب على أسعار الأضاحي في العيد المقبل، وارتفعت بنسب تتراوح ما بين 10% إلى 15%، مقارنة بالعام الماضي (2015).
ويؤكد يحيى قرطام عضو شعبة الجزارين بغرفة القاهرة التجارية، أن أسعار لحوم الأضاحي شهدت ارتفاعاً بنسبة 25% خلال هذا العام (2016).
وأوضح، أن سعر الكيلو بالنسبة للماشية البقري 40 جنيهاً مقارنة بـ 34 (هذا سعر الكيلو قبل الذبح أي غير صاف)، والضأن 42 جنيهاً (مقارنة بـ 36) بينما سجل كيلو الجاموس 36 جنيهاً، ويتراوح سعر الخروف ما بين 2200 و3000 جنيه، والعجل البقري 14 ألف جنيه إلى 20 ألف جنيه والجاموسي يتراوح ما بين 12 ألف جنيه إلى 18 ألف جنيه (الدولار يعادل حوالي 12 جنيهاً في السوق الموازية).
كما لفت "قرطام" إلى أن نسبة من المصريين كانت تتشارك في التضحية بجمل يشارك به 10 أفراد، ولكن السودان الذي كان يصدر لمصر 8 آلاف جمل أسبوعياً، قرر مؤخراً الحفاظ على الثروة الحيوانية لديه وتقليل تلك النسبة إلى النصف وكذلك الصومال التي فضلت التصدير للسعودية.
وأوضح أن انخفاض أعداد الجمال المستوردة أدى أيضاً إلى ارتفاع أسعار اللحوم، بجانب ارتفاع أسعار الأعلاف والذرة الصفراء والفول الصويا بسبب ارتفاع أسعار الدولار ما أدى أيضاً إلى ارتفاع أسعار اللحوم.
75% زيادة في صكوك الأضاحي
ويقبل عددٌ كبير من المصريين على "صكوك الأضاحي" لأنها تمثل بديلاً أرخص من تحمل تكلفة شراء الأضحية بالكامل حيث يساهم الفرد مع حوالي ستة آخرين في تحمل شراء الأضحية، كما أنها توفر عليهم عناء الذبح، ومشاكل النظافة، وتوصيل اللحوم لمستحقيها من الفقراء خلال أيام العيد.
وخلال جولة على بعض الجمعيات الخيرية وبنك الطعام التي توفر للمصريين القادرين على شراء الأضاحي "صكوك" تبيعها للراغبين في أداء سنة التضحية في عيد الأضحى المقبل (الذي يوافق فلكياً يوم 11 سبتمبر/أيلول 2016)، لاحظت "عربي بوست" ارتفاعاً كبيراً في أسعار الصكوك عن العام الماضي يتراوح بين 50 و75%.
بل إن بعض الجمعيات أتاحت إمكانية "التقسيط" للأضحية بسبب الظروف الاقتصادية، أو الدفع عبر الفيزا مؤجلة الدفع، التي يحصلها البنك من العميل على عدة أشهر.
وأرجع أغلب العاملين في هذه الجمعيات السبب إلى أزمة الدولار في مصر وارتفاع سعره مقارنة بالجنيه الذي انخفض، وارتفاع أسعار الأضاحي، وتقلص عدد المضحين، وارتفاع أسعار السلع بشكل عام، ما حد من قدرة بعض المصريين على التبرع للعمل الخيري.
فقد رفع "بنك الطعام" سعر الصك هذا العام (2016) إلى 1490 جنيهاً (حوالي 125 دولاراً) للأضحية المحلية والمستوردة على حد سواء بدلاً من 1350 جنيهاً للأضحية المحلية (112 دولاراً)، و850 جنيه للمستورد (70 دولاراً) العام الماضي.
وفسّر بنك الطعام، على موقعه الإلكتروني، توحيد سعر الصك بأن سعر الأضحية المستوردة أصبح مقارباً للمحلية سواء العجول أو الخراف، وذلك بعد ارتفاع قيمة الدولار أمام الجنيه.
وأضاف أن قيمة الصك الموحد، الذي يمثل إما خروفاً أو سُبع عجل، هو متوسط تكلفة الأضحية بأفضل الأسعار، سواء محلية أو مستوردة، وأن "السعر ليس ثابتاً ويحدد سنوياً طبقاً لتغير الأسعار في السوق المحلية والعالمية".
وقال بنك الطعام إنه لن يوزع هذا العام 5 كيلو لحوم من الأضحية لصاحب كل صك كما كان يحدث في السابق، مبرراً ذلك بأن "أعداد المحتاجين في تزايد مستمر وبما أنه يجوز شرعاً التبرُّع بكامل الأضحية فرأينا أنه من الأولى توزيعها بالكامل ليستفيد من اللحوم أكبر عدد ممكن من المحتاجين"، حسب سناء الخضري عضو مجلس إدارة بنك الطعام المصري.