العلامات الدالة على بدء إنهاء الثورة السورية لصالح النظام

شاءت الأقدار أن تتغير الحكومة في الدولة الشمالية، ويعلن رئيسها الجديد على الملأ برنامجها، الذي يتكون من حل المشاكل مع كل من روسيا وإسرائيل وسوريا ومصر، وأنه يريد أن يتصالح مع دول الكرة الأرضية كلها، ويصفر المشاكل معها كلها!

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/11 الساعة 02:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/11 الساعة 02:27 بتوقيت غرينتش

قد كان الهدف الأساسي للغزو الروسي اللعين لسوريا في 30/9/2015 هو إنهاء الثورة، والقضاء المبرم على المقاتلين، وإرجاع المناطق المحررة إلى سلطة النظام.

كانت توقعاته أن تنتهي هذه العمليات كلها في خلال بضعة أسابيع، أو بضعة أشهر، وعلى الأكثر ستة أشهر، ولكن شاء الله -تعالى- أن يخيب آماله، ويبطل عمله، ويفسد خططه، التي مكرها مكراً كباراً، ومضت أربعة عشر شهراً، ولم يتمكن من إخماد لهيب الثورة!

وشاءت الأقدار أن تتغير الحكومة في الدولة الشمالية، ويعلن رئيسها الجديد على الملأ برنامجها، الذي يتكون من حل المشاكل مع كل من روسيا وإسرائيل وسوريا ومصر، وأنه يريد أن يتصالح مع دول الكرة الأرضية كلها، ويصفر المشاكل معها كلها!

وبالنسبة للمصالحة مع سوريا كانت صدمة قوية، مزلزلة للناس، وعقبها كتبت مقالة بعنوان: "الإعلان بالصدمة" يمكن قراءتها عند العم جوجل.

ثم تم تعديل التصريح إلى المصالحة بعد زوال الأسد، ثم جاء الانقلاب في 15/7/2016، وبعد فشله، أعاد التصريح عن سوريا بشكل مختلف، مع تبشير السوريين بأنهم سيتمتعون بمستقبل زاهر، مشرق، وجميل بعد ستة أشهر!

وبعدها حصل لقاء بين كبيري الدولة الشمالية وروسيا القيصرية، وتم إنهاء الخلاف نهائياً بينهما والاعتذار عن إسقاط الطائرة الروسية، وتعليق الجرم برقبة أحد المؤيدين للانقلاب، وتسهيل التبادل التجاري والسياحي بينهما، والمقايضة بينهما، بحيث تتخلى روسيا عن دعمها للأكراد، وتغض طرفها عن أية أعمال عسكرية تجري في المنطقة للقضاء عليهم وعلى تنظيم الدولة، وعن تمدد الجندرمة في الشمال السوري، حتى حدود الباب فقط، مقابل أن تطلق روسيا يدها في القتل والتدمير والتخريب والقضاء أيضاً على المقاتلين السوريين، وإخراجهم من حلب، وتسليمها للنظام، ولا تُسأل عما تفعل من جرائم مروعة، مهما بلغت شدتها، فهي حرة، طليقة، تفعل ما تشاء!

وبذلك تم وأد المشاعر الإنسانية، والتعاطف الديني، والتراحم الأخوي لدى الطرف الأول، فلا يحق له الاستنكار، أو الاحتجاج، أو الاعتراض، مهما بلغت فظاعة الجرائم المرتكبة، وها هي بداية التحضيرات تجري لإنهاء الكفاح المسلح وتسليم حلب إلى النظام، أو ربما إقامة إدارة حكم ذاتية للذين يريدون التحرر من النظام في الباب وما حولها، وربما تضاف إليها إدلب، ونقل كل المخيمات إلى هذه المنطقة الشمالية وعقد صلح مع النظام، وإعطاء الجنسية للمتواجدين في الأراضي المجاورة، لترضيتهم وسلخهم من بلدهم الأصلي.

ومن ثم قيام الشركات الروسية، ومحتمل التركية، بإعادة الإعمار في سوريا، وإسكان الصفويين فيها فقط؛ لأن السوريين لم يعد لهم مكان في سوريا، من جهة أنها ضاعت مستندات ملكية العقارات، ومن جهة أخرى مات بعض ملاكها، ومن جهة ثالثة هرب بعض ملاكها إلى خارج البلاد، فالتعمير سيكون لصالح النظام وأعوانه فقط، وتغيير الطبيعة السكانية، بحيث تكون لصالح الصفويين فيصبحون هم الأكثرية.

ولكن ما هي العلامات الدالة على بدء إنهاء الثورة السورية لصالح النظام؟

1- تصريح يلدريم قبل ثلاثة أشهر بأنه يريد التصالح مع النظام، وتبشيره للسوريين بأنهم سيكونون في حال أحسن وأجمل بعد ستة أشهر، وها هو الآن لم يبق سوى ثلاثة أشهر أو أقل على إنجاز الوعد.

2- اجتماع وفد من الفصائل المسلحة، يوم 24/11/2016، مع وفد روسي في أنقرة، برعاية تركيا، للبحث والمناقشة في ترتيب مغادرة المسلحين حلب وتسليمها للنظام.

3- توقيع اتفاقية إعادة إعمار سوريا بين روسيا والنظام لقاء النفط والغاز.
وهذه الاتفاقية ما كان يمكن أن تحصل لولا اطمئنان روسيا يقينياً أنها ستخمد لهيب الثورة نهائياً، وتبدأ مرحلة الإعمار والاستقرار؛ إذ لا يمكن أن يكون هناك إعمار وتخريب في نفس الوقت.

4- توقيع شركات إيرانية مختصة بالاتصالات السلكية واللاسلكية مع النظام؛ لتكون المزود الثالث للاتصالات الهاتفية، وهذه أيضاً ما كانت لتحصل بعد مضي ست سنوات على الثورة، لولا يقين إيران بأن الحياة الطبيعية ستعود إلى سوريا، تحت ظلالها وظلال روسيا والأسد.

5- توقع فلكي أمريكي بانتهاء الأزمة السورية لصالح النظام، في بداية 2017.

طبعاً هذه الخزعبلات الفلكية، والتنجيمية لا نصدقها نحن كمسلمين، ولا نؤمن بها كمؤمنين لأن الغيب لا يعلمه إلا الله، ولكن أردت ذكرها، باعتبارها من عمل الشياطين؛ للدلالة أيضاً على اجتماع شياطين الجن والإنس في الكرة الأرضية، للقضاء على الثورة ونشر الشائعات عن قرب إخمادها، والترقب بفارغ الصبر لإرجاع الناس إلى زريبة النظام بأي شكل من الأشكال.

هذه مجرد قراءة في الواقع الميداني، وتحليل لما يجري، واستشفاف لما يُخطط لنا، ولما يمكن أن يحصل في المستقبل؛ لنكون على بينة من الأمر و"لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ"، وليس للإحباط، واليأس، والقنوط، وتوهين العزائم، وإضعاف المعنويات، والاستسلام، والخضوع لما يتم ترتيبه في الغرف المظلمة؛ لأن تطبيقه على أرض الواقع ليس بالضرورة أن يكون ضربة لازب، ولا قدراً محتوماً، لا مهرب منه، ولا مفر.

إن المقاتلين على أرض المعارك لا يزالون يملكون القدرة على إفشال كل الخطط الخبيثة، وإبطال كل المكر الأسود، وقلب الطاولة على كل المتآمرين على الثورة، ولكن بشرط: تحقيق مقومات النصر الأربعة، التي ذكرناها في المقالة الأخيرة، بعنوان "هل يملك المقاتلون السوريون مقومات النصر؟!"، وهي:

1- الاتحاد بين كل الفصائل، ولو بغرفة عمليات واحدة فقط.

2- تحديد هدف واحد، لا شريك له، ومحدد، وواضح، والعمل له فقط.

3- وضع خطة عسكرية محكمة، ماهرة، بارعة، مع الاستعانة بضباط التخطيط الاستراتيجي في العالم كله.

4- الثقة، بالله وحده، لا شريك له، والاعتماد عليه، ورفض الخطوط الحمراء، من أي جهة كانت.

هذه أربعة أعمدة، لازمة، وضرورية جداً لأي بناء يُراد تشييده، ولأي معركة يُراد الانتصار والغلبة فيها، ولنا في التاريخ عبرة، حينما تسلم "قطز" الحكم في مصر، كانت الأحوال العسكرية والسياسية والاقتصادية والأمنية سيئة للغاية في مصر والشام، وأسوأ من الزمن الحاضر، كان الناس في ضيق شديد وغلاء كبير، والأعداء من كل جانب؛ فالتتار يهددون بغزو مصر، والصليبيون على بعد خطوات يهددون بغزو مصر أيضاً، والجيش متفكك، بل لا يوجد جيش، ولا عتاد، ولا سلاح، وأمراء متصارعون هنا وهناك.. ولكن بالهمة العالية، والعزيمة القوية، والإرادة الصلبة، والرغبة الصادقة، والنية الطيبة، المخلصة، والاستشارة الفنية لعلماء الأمة ووجهاء البلد، واسترجاع كل أملاك الأمراء والحكام إلى بيت مال المسلمين استطاع في خلال ثلاثة أشهر أن يقلب الوضع من السيئ جداً إلى الممتاز جداً، ويجهز جيشاً قوياً، وبأسلحة فعالة، وينطلق به إلى خارج مصر؛ ليلتقي بالتتار في منطقة "عين جالوت" في أرض فلسطين، بعد عقده معاهدة هدنة، وصلح مؤقت مع الصليبيين، في عكا، ليكف أذاهم عنه، وانتصر انتصاراً باهراً ورائعاً على التتار، وهزمهم هزيمة منكرة، ساحقة، ماحقة، انتصر لما حقق الشروط الأربعة المذكورة آنفاً، وهي ليست صعبة، ولا مستحيلة، وما انتصر المسلمون في معاركهم على مدار التاريخ إلا بعد تحقيقها، وما انهزم المسلمون في معركة من معاركهم إلا بعد أن فشلوا في تحقيقها.
هل يعجز المقاتلون السوريون عن تحقيقها؟!

إن لم يحققوها -لا سمح الله- فالخطب سيكون جللاً، والمصيبة كبيرة، والقضاء على الثورة سيكون حتمياً مهما طال الزمن.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد