قام الناشط المصري محمد سلطان المفرج عنه قبل بضعة أشهر من السجن في مصر بزيارة إلى بريطانيا، طاف فيها بعدة معاهد وجامعات ومنظمات إنجليزية، وشارك بعدد من الفاعليات في لندن حكى فيها للبريطانيين تجربة عامين قضاهما في المعتقل منذ فض اعتصام "رابعة" الذي بدأ احتجاجا على الإطاحة بالرئيس محمد مرسي بانقلاب عسكري، و490 يوما من الإضراب عن الطعام حتى نال حريته.
سلطان في حوار مع موقع "ميدل إيست مونيتور" اعتبر أن بريطانيا والولايات المتحدة ترتكبان خطأً كبيراً بدعم عبد الفتاح السيسي وتكافئانه على جرائمه، وأنهما في المقابل لا تكافئان المعارضة التي حافظت على سلميتها وهو ما يعطى رسالة خاطئة للشباب الغاضب.
سلطان حكى عن أشكال من التعذيب تعرض لها تضمنت ضربه على يده المكسورة وصعقه بالكهرباء وإجباره على قطع عروقه بشفرة حادة وحبسه في زنزانة واحدة مع جثة قتيل، وأكد أنه لن يتخلى عن المعتقلين في سجون مصر، مؤكدا أنهم يعانون من كل أنواع القهر النفسي والإيذاء البدني.
وقال ميدل إيست مونيتور نقلا عن سلطان:
في الأشهر التي تلت "انقلاب" يوليو/تموز 2013 في مصر، زار الناشط محمد سلطان الذي كان يعمل مع الفريق الإعلامي في اعتصام "رابعة" مقرا للنيابة العامة طالباً منه نصيحة قانونية، فقال له وكيل النيابة: "لا تضع جهدك، البلد ملكنا ونستطيع أن نفعل بها ما نشاء، نحن القانون".
إنها لحظة نادرة حين يعترف مسؤول حكومي أن نظام العدالة المصري قد أصبح ثقباً أسود تفعل فيه السلطات ما يحلو لها بالمعتقلين منذ لحظة اعتقالهم وحتى لحظة محاكمتهم.
"إنه حكم مبارك مع منشطات"، كما يصف سلطان في حواره الذي روى فيه ابن القيادي في جماعة الإخوان المسلمين صلاح سلطان أزمته التي مر بها خلال عامين كاملين في سجون مصر، كما تحدث للصحيفة عما تعرض له من آلام أثناء فترة إضرابه عن الطعام، ولحظات تعرض فيها للموت، وأخيراً عاد للحياة.
41 ألف معتقل
ومنذ 2013، دخل حوالي 41 ألف شخص السجون المصرية، 73% منهم سجناء سياسيون والعديد منهم قُصَّر، فيما حُكم على 500 منهم بالإعدام، وتم تنفيذ 7 منها، بينما عمليات التعذيب للجميع والاغتصاب للإناث عرض دائم.
ورغم أن الحكومة المصرية بذلت جهداً كبيراً لمنع تسريب مثل هذه المعلومات من السجون، وقد يدفع الصحفيون الذين يبثون معلومات مخالفة لما تبثه الحكومة غرامةً تصل إلى 200 ألف دولار، كما أن الذين أظهروا قلقاً منهم حيال حقوق الإنسان تعرضوا للقتل، السجن أو التغييب، لذا انحصر توثيق هذه القضايا على مجموعات حقوق الإنسان.
الشبكات الاجتماعية كانت مكان التوثيق والنشر، إلي جانب الشهادات المباشرة من أشخاص تعرضوا لهذه الانتهاكات، مثل شهادة المصري الأميركي محمد سلطان المعتقل السابق المضرب عن الطعام والذي تحول إلى ناشطٍ سياسي.
سلطان يروي حكايته من لندن
قبل 4 أشهر، كانت التأكيدات تصل لـ 90% من أن سلطان المضرب عن الطعام سيموت في السجن، ولكنه الآن في لندن يروي حكايته مع السجون المصرية.
سلطان، يقول لـ"ميدل إيست مونيتور" وهو يبتسم، "لم يكن لدي أمل قبل الخروج من السجن، أما الآن فحدودي هي السماء".
"الابتسامة" تعني هنا أن سلطات الانقلاب لم تستطع أن تكسر روح محمد رغم أنها أخذت منه سنتين ويتجلى ذلك في قوله: "الأمل هو الشمعة التي تبقينا أحياء".
بداية الحكاية
بدأت قصة سلطان في 27 أغسطس/آب 2013، حين دخلت قوات الشرطة المصرية بيت عائلته بحثاً عن أبيه، صلاح سلطان، العضو البارز في جماعة الإخوان المسلمين، وحين لم يعثروا على والده، اعتقلوه هو بتهمة الإرهاب، رغم أنهم لم يقدموا أي دليلٍ لإثبات هذا الادعاء.
تمديد فترة الاعتقال، عدم الحصول على محاكمة عادلة وظروف الاعتقال السيئة دفعته للشعور بأن الإضراب عن الطعام هو طريقة الاحتجاج الوحيدة المتبقية.
وهنا يقول، "بالنسبة لي، بدأ الأمر حين استنفذت جميع الوسائل الأخرى وأصبح الإضراب شيئاً لا بد منه، كان الإضراب ملجئي الأخير".
منذ تلك اللحظة، أصبح هو وصحفي الجزيرة، عبد الله الشامي، أول معتقلين مصريين يضربان عن الطعام.
تجربة الإضراب عن الطعام
سلطان متحدثاً عن تلك التجربة رغم صعوبتها يقول: "الإضراب كان بالنسبة لي تعبيراً عن مقاومة القمع، واعتبرت أن هذه مساهمتي في المقاومة السلمية لأجل هذا البلد، أما الآخرون اعتبروها إشارةً على فقدان الإيمان والأمل".
ويضيف أنه بعد فترة تلاشى الجوع وبقي التعب، الضعف، فقدان الذاكرة وصعوبة التواصل، كما أن "الألم الجسدي يختفي بعد يوم أو اثنين، أسبوع أو اثنين، شهر… لكن التعذيب النفسي يبقى، لا تستطيع نسيانه".
انتهاكات غير آدمية
رغم ضعفه، تعرض سلطان للضرب على ذراعه المكسورة لساعتين متواصلتين، ثم قُيّد إلى كرسيه المتحرك وضُرب مجدداً، وأجريت عملية جراحية لذراعه دون تخدير، لوّح السجانون بالمسدسات في وجهه، وعرض عليه الأطباء الذين حضروا لمعالجته موسَ حلاقة وعلموه كيف يجرح نفسه، ذات مرة، رمى السجانون بجثة رجل ميت في زنزانته وأبقوها هناك لمدة 15 ساعة.
وخلال الأشهر الـ6 الأخيرة من اعتقاله، نُقل والد سلطان الذي كان قد اعتُقل لاحقاً إلى زنزانة ابنه ليحاول إقناعه بإنهاء إضرابه، وهو ما يعلق عليه سلطان قائلًا، "والدي أنقذ حياتي حين كنت على وشك السقوط في غيبوبة ناجمة عن نقص السكّر، أخذ سكراً ووضعه تحت شفتي، وأنقذني من موت محقق".
دعم سلطان منحه الأمل
بينما كان سلطان يكافح داخل سجنه، كان إضرابه عن الطعام يجذب انتباهاً عالمياً في الخارج، وقام أعضاء في المعارضة المنقسمة بالتغريد على تويتر، بالصلاة وبتداول صوره على الإنترنت.
"من الواضح أنه كانت ثمة امرأة مدهشة هناك"، هكذا يقول مشيراً إلى أخته، هناء سلطان، التي قادت حملة "أطلقوا سلطان" وأصبحت المتحدثة الرسمية باسمه طوال فترة اعتقاله.
ويثني سلطان على جهود أولئك الذين قاموا على الحملة، قائلاً: "كانت ثمة مجموعة من الناس الطيبين الذين كرّسوا أنفسهم للحملة، وكان هذا مهماً، وكان من بينهم شخصان أو 3 لا أعرفهم، التقيت بهم بعد خروجي".
وعندما عرف أن هناك أناساً في الخارج يعملون على إطلاق سراحه ساعده ذلك على الاستمرار في الإضراب، حيث يقول، "لقد أعطتني هذه المعرفة توازناً معيناً، التوازن بين الخير والشر، أي أن العالم ليس شريراً تماماً، أنه ثمة خير هناك، هذا يمنحك ضوءاً في نهاية النفق، أملاً في أن الخير سينتصر يوماً ما، وقد حدث هذا معي، لحسن الحظ".
قضية سلطان، حازت على اهتمام كبير لدرجة أن وزير الداخلية المصري زاره في السجن ليقول له أن هذه هي المرة الأولى التي تجذب فيها قضيةٌ في مصر كل هذا الاهتمام منذ قضية خالد سعيد الذي قتله أحد ضباط الأمن في الإسكندرية قبل ثورة يناير 2011.
ففي يونيو/حزيران من عام 2010، ضُرب سعيد حتى الموت من قبل رجال الشرطة خارج مقهى إنترنت في الإسكندرية، وهو ما أطلق حملة عالمية على الشبكات الاجتماعية ضد وحشية رجال الشرطة المصرية، قادت مجموعة على فيسبوك الحملة التي أطلق عليها "كلنا خالد سعيد"، ويعتقد الكثيرون أن هذه الحملة ألهمت ثورة يناير 2011.
انتهى السجن وعاد الأمل
في النهاية، نجح الضغط الخارجي في إطلاق سراح سلطان بنهاية مايو/آيار 2015، ولا شك أن جنسيته المزدوجة ساعدت على ذلك، ولكن المفارقة هي أنه أجبر على التخلي عن جواز سفره المصري كشرطٍ لإطلاق سراحه.
ورغم أن سلطان لم يعد قيد الاعتقال، إلا أنه لا زال يبدي قلقاً بشأن 41 ألف شخص لا زالوا معتقلين بسبب اتهامات غير عادلة.
يقول سلطان، "الشباب ليس لديهم متنفّس، لا فضاء للحوار أو المعارضة، بالإضافة إلى فقدان الثقة في الديمقراطية والحرية، كل هذا لا يترك لهم سوى خيارات محدودة، إن عملية التحويل الراديكالي حقيقية، إنها تحدث، ما يحدث في مصر الآن سيقود المنطقة بأسرها إلى نفق مظلم، وليس مصر فقط".
زيارة السيسي للندن
ويتابع معلقاً على زيارة الرئيس السيسي المرتقبة للمملكة المتحدة، "حكومة لندن ترفض محاسبة نظامٍ يزيد من قمعه، كما أنهم لا يكافئون المعارضة على حفاظها على سلميتها، إلى ماذا تدفع هؤلاء الشباب؟.
ولا يزال ثمة عدد لا يُحصى من الصحفيين، الأكاديميين، القُصّر، المسؤولين السابقين والفتيات داخل السجون المصرية، إنها حكايةُ مجتمع كامل عانى ولا يزال يعاني بينما العالم صامت.
ويتساءل سلطان، "في البداية كنا نقول لمَ تعتقل الناس؟ الآن نقول: فقط اعتقلهم، لا تقتلهم، هل يمكن أن يصبح الوضع أسوأ؟"
ويساهم سلطان، بالتعاون مع معتقلين سابقين آخرين، بحملات للضغط على المسؤولين في الحكومة وصنّاع القرار للمساعدة في تطبيق حقوق الإنسان في مصر.
لن أنسى المعتقلين
ويختتم سلطان حديثه لـ" ميدل إيست مونيتور" بقوله، "أنا مسؤول عن سرد حكاية المعتقلين وهذا هو ما أفعله وما سأستمر في فعله، إنه واجبنا تجاههم، بعض أصدقائي محكومون بالإعدام، وبعض أصدقائي الصحفيين عليهم حكم السجن المؤبد،. ثمة إحساسٌ بالمسؤولية هنا".